Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 38-38)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ … } [ مريم : 38 ] أي : أسمع بهم وأبْصِر بهم ، وهذه من صِيَغ التعجُّب على وزن أفعل به يعني ما أشدّ سمعهم ، وما أشدّ بصرهم ، فهم الآن يُرهِفُون السمع ويُدقِّقون النظر حتى إن الإنسان ليتعجب من سمعهم الدقيق ، وبصرهم المحيط بعد أن كانوا في الدنيا يضعون أصابعهم في آذانهم فلا يسمعون ، ويستغشون ثيابهم فلا يبصرون ، كانوا في عَمىً عن آيات الله الواضحات التي تثبت صِدْق الرسل ، وعن الآيات التي تحمل الأحكام ، وعن الآيات الكونية التي تدلُّ على قدرة الصانع الحكيم . وقوله : { يَوْمَ يَأْتُونَنَا … } [ مريم : 38 ] أي : أسمع بهم وأبصر بهم في هذا اليوم يوم القيامة ، والإنسان بحكم خَلْق الله تعالى له ، واستخلافه في الأرض جعل له السيطرة على جوارحه فهو يأمرها فتطيعه ، فجوارح الإنسان وطاقاته مُسخّرة لإرادته ، فلسانك تستطيع أنْ تنطقَ بـ لا إله إلا الله . كما تستطيع أن تقول : لا إله أو تقول : الله ثالث ثلاثة . واللسان مِطْواع لك لا يعصاك في هذه أو تلك ، وما أعطاك الله هذه الحرية وكفَل لَك الاختيار إلا لأنه سيحاسبك عليها يوم القيامة : أأردتَ الخير الذي وجَّهك إليه أم أردتَ الشر الذي نهاك عنه ؟ أما يوم القيامة فتنحلّ هذه الإرادة ، ويبطل سلطانها على الجوارح في يوم يُنادِي فيه الحق تبارك وتعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] يومها ستشهد الجوارح على صاحبها ، كما قال الحق سبحانه تعالى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . ويقول تعالى : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 21 ] . لم لا ؟ وقد تحررتْ الجوارح من قَيْد الإرادة ، وجاء الوقت لتشتكي إلى الله ، وتنطق بكلمة الحق التي كتمتْها تحت وطأة الإرادة وقهْرها . وسبق أن ضربنا مثالاً لذلك بمجموعة من الجنود يسيرون تحت إمْرة قائدهم المباشر ، ويأتمرون بأمره ، ويطيعونه طاعة عمياء ، فإذا ما عادوا إلى القائد الأعلى انطلقتْ ألسنتُهم بالشكوى من تعسُّف قائدهم وغَطْرسته . ثم يقول تعالى : { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ مريم : 38 ] فيا ليتهم فهموا هذه المسألة ، لكنهم ظلموا ، وما ظلموا إلا أنفسهم ، فالله تبارك وتعالى لا يضره كفر الكافرين ، ولا ينقص من مُلْكه تعالى وسلطانه ، لكن كيف يظلم الإنسان نفسه ؟ يظلم الإنسان نفسه لأنه صاحب عَقْل واعٍ يستقبل الأشياء ويميزها ، وصاحب نفس شهوانية تصادم بشهواتها العاجلة هذا العقل الواعي ، وتصادم المنهج الربّاني الذي يأمرها بالخير وينهاها عن الشر ، هذه النفس بشهواتها تدعو الإنسان إلى مرادها وتوُقِعه في المتعة الوقتية واللذة الفانية التي تستوجب العذاب وتُفوِّت عليه الخير الباقي والنعيم الدائم . لذلك يقول تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ يونس : 44 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ … } .