Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 37-37)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأحزاب : أي الذين اختلفوا في عيسى عليه السلام من قومه ، فمنهم مَنْ قال : هو إله ، ومنهم مَن قال : ابن إله . وآخر قال : هو ثالث ثلاثة . ومنهم مَنْ رماه بالسحر وقال عنه بعضهم : ابن زنى - نستغفر الله مما يقوله الظالمون والكافرون - . والأحزاب : جمع حِزْب ، وهم طائفة من الناس اجتمعوا حول مبدأ من المبادىء ، ورأْي مَن الآراء يدافعون عنه ويعتقدونه ، ويسيرون في حياتهم على وفقه ، ويُخضِعون حركة حياتهم لخدمته . ومعنى : { مِن بَيْنِهِمْ … } [ مريم : 37 ] يعني من داخل المؤمنين به ومن أتباع عيسى أنفسهم ، فالذين قالوا عنه هذه الأباطيل ليسو من أعدائه ، بل من المؤمنين به . وهكذا اختلف القوم في أمر عيسى ، وكان لكل منهم رَأْي ، وجميعها مُنَافِية للصواب بعيدة عن الحقيقة لذلك توعّدهم الخالق سبحانه بقوله : { فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ مريم : 37 ] . فقد قلتم في عيسى ما قُلْتم في الدنيا ، وخُضْتم فيه بما أحببتُمْ من القول لأن الله تعالى جعل إرادتكم نافذة على جوارحكم ، وأعطاكم حرية الفعل والاختيار ، فوجَّهتم جوارحكم واخترتم ما يُغضب الله ، فكأن عقوبة الدنيا لا تناسب ما فعلوه ، ولا بُدَّ لهم من عقوبة آجلة في الآخرة تناسب ما حدث منهم في حَقِّ نبيهم وفي حَقِّ ربهم تبارك وتعالى . { فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ مريم : 37 ] ومشهد يوم عظيم هو يوم القيامة ، يوم تُبْلَى السرائر ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله . وسماه المشهد العظيم لأنه يوم مشهود يشهده الجميع لأن العذاب في الدنيا مثلاً لا يشهده إلا الحاضرون المعاصرون ، ولا يشهده السابقون ولا اللاحقون ، أما عذاب الآخرة فهو المشهد العظيم الذي يراه كل الخَلْق . وربما كان بعض العذاب أهونَ من رؤية الغير للإنسان وهو يُعذِّب ، فربما تحمَّل هو العذاب في نفسه أما كونه يُعذَّب على مرأىً من الناس جمعياً ، ويرونه في هذه المهانة وهذه الذلة وقد كان في الدنيا عظيماً أو جباراً أو عاتياً أو ظالماً ، لا شكَّ أن رؤيتهم له في هذه الحالة تكون أنكَى له وأبلغ . لذلك يقول الحق تبارك وتعالى عنهم في آية أخرى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 27 ] هذا منهم مجرد كلام : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ … } [ الأنعام : 28 ] أي : ظهر لهم ما كانوا يخفون ولم يقُلْ يخفَى عنهم ، كأنهم كانوا يعلمون عنه شيئاً ولكنهم أخفوْه . وقال عنهم : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] . فلماذا أبصروا وسمعوا الآن ؟ لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا عن غير وَعْي ، فينكرون ويُبصرون آيات الله في الكون ولا يؤمنون ، أما في الآخرة فقد انكشفتْ لهم الحقائق التي طالما أنكَروها ، ولم يَعُدْ هناك مجال للمكابرة أو الإنكار لذلك يقول تعالى بعدها : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ … } .