Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 52-52)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ … } [ مريم : 52 ] أيمن الطور ، أَمْ أيمن موسى ؟ أيّ مكان لا يُقال له أيمن ولا أيسر ، إنما الأيمن والأيسر بالنسبة لك أو لغيرك ، فالذي تعتبره أنت يميناً يعتبره غيرُك يساراً ، ولا يُقال للمكان أيمن ولا أيسر إلا إذا قِسْته إلى شيء ثابت كالقِبْلة مثلاً فتقول : أيمن القبلة ، وأيسر القبلة ، وخلف القِبْلة ، وأمام القِبْلة . إذن : فقوله : { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ … } [ مريم : 52 ] أي : أيمن موسى ، وهو مُقبل على الجبل ، وهذه لقطة مختصرة من القصة جاءت مُفصَّلة في قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً … } [ القصص : 29 ] . وقوله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] أي : قرَّبْناه لِنُنَاجيه بكلام . والنجيّ : هو المنَاجِي الذي يُسِرُّ القول إلى صاحبه ، كما جاء في الحديث الشريف : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجَ اثنان دون الآخر ، فإن ذلك يُحزِنه " . وقد قرَّب الله تعالى موسى ليناجيه لأن هذه خصوصية لموسى عليه السلام ، فكلام الله لموسى خاصٌّ به وحده لا يسمعه أحد غيره ، فإنْ قلتَ : فكيف يكلّمه الله بكلام ، ويسمى مناجاة ؟ قالوا : لأنه تعالى أسمعه موسى ، وأخفاه عن غيره ، فصار مناجاة كما يتناجى اثنان سِراً . وهذا من طلاقة قدرته تعالى أن يُسمع هذا ، ولا يُسمع ذاك . وبعض المفسرين يرى أن الأيمن ليس من اليمين ، ولكن من اليُمْن والبركة . و { وَقَرَّبْنَاهُ … } [ مريم : 52 ] أي : من حضرة الحق تبارك وتعالى . لكن هل حضرة الحق قُرْب منه ، أم موسى هو الذي قَرُب من حضرة الحق سبحانه ؟ كيف نقول إن الله قرب منه وهو سبحانه أقرب إليه من حبل الوريد ، فالتقريب إذن لموسى عليه السلام . وهكذا جمع الحق - تبارك وتعالى - لموسى عدةٍ خصال ، حيث جعله مخلَصاً ورسولاً ونبياً ، وخَصَّه بالكلام والمناجاة ، ثم يزيده هِبةً أخرى في قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ … } .