Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 54-54)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ … } [ مريم : 54 ] ما الميزة هنا وكل الرسل كانوا صادقي الوعد ؟ قالوا : لأن هناك صفة تبرز في شخص ويتميز بها ، وإن كانت موجودة في غيره ، فالذي يصدُق في وعد أعطاه ، أو كلمة قالها صدق في أمر يملكه ويتعلق به . أما إسماعيل - عليه السلام - فكان صادق الوعد في أمر حياة أو موت ، أمر يتعلق بنفسه ، حين قال لأبيه : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] . وليت الأمر جاء مباشرة ، إنما رآه غيره ، وربما كانت المسألة أيسَر لو أن الولد هو الذي رأى أباه يذبحه ، لكنها رُؤْيا رآها الأب ، والرؤيا لا يثبت بها حكم إلا عند الأنبياء . فكان إسماعيل دقيقاً في إجابته حينما أخبره أبوه كأنه يأخذ رأيه في هذا الأمر : { إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ … } [ الصافات : 102 ] . فخاف إبراهيم عليه السلام أن يُقبل على ذَبْح ولده دون أن يخبره حتى لا تأتي عليه فترة يمتلىء غيظاً من أبيه إذا كان لا يعرف السبب ، فأحبَّ إبراهيم أن يكون استسلامُ ولده للذبح قُرْبَى منه لله ، له أجْرُها وثوابها . قال إسماعيل عليه السلام لأبيه إبراهيم : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ … } [ الصافات : 102 ] . والوعد الذي صدق فيه قوله : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] وصدق إسماعيل في وعده ، واستسلم للذبح ، ولم يتردد ولم يتراجع لذلك استحق أنْ يميزه ربه بهذه الصفة { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ … } [ مريم : 54 ] . فلما رأى الحق - تبارك وتعالى - استسلام إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - لقضاء الله رفع عنه قضاءه وناداه : { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [ الصافات : 104 - 107 ] فكانت نتيجة الصبر على هذا الابتلاء أنْ فدى الله الذبيح ، وخلَّصه من الذبح ، ثم أكرم إبراهيم فوق الولد بولد آخر : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ … } [ الأنعام : 84 ] . وهذه لقطة قرآنية تُعلِّمنا أن المسلم إذا استسلم لقضاء الله ، ورَضِي بقدره فسوف يجني ثمار هذا الاستسلام ، والذي يطيل أمد القضاء على الناس أنهم لا يرضون به ، والحق تبارك وتعالى لا يجبره أحد ، فالقضاء نافذ نافذ ، رضيتَ به أم لم تَرْضَ . وحين تسلم لله وترضى بقضائه يرفعه عنك ، أو يُبيّن لك وجه الخير فيه . إذن : عليك أن تحترم القدر وترضى به لأنه من ربك الخالق الحكيم ، ولا يُرفع قضاء الله عن الخلق حتى يرضوا به . وكثيراً ما نرى اعتراض الناس على قضاء الله خاصة عند موت الطفل الصغير ، فنراهم يُكثِرون عليه البكاء والعويل ، يقول أحدهم : إنه لم يتمتع بشبابه . ونعجب من مثل هذه الجهالات : أيّ شباب ؟ وأيَّة متعة هذه ؟ وقد فارق في صِغَره دنيا باطلة زائلة ، ومتعة موقوتة إلى دار باقية ومتعة دائمة ؟ كيف وقد فارق العيش مع المخلوق ، وذهب إلى رحاب الخالق سبحانه ؟ إنه في نعيم لو عرفتَه لتمنيتَ أن تكون مكانه ، ويكفي أن هؤلاء الأطفال لا يُسألون ولا يُحاسبون ، وليس لهم مسكن خاص في الجنة لأنهم طلقاء فيها يمرحون كما يشاؤون لذلك يسمونهم دعاميص الجنة . وآخر يعترض لأن زميله في العمل رُقِّي حتى صار رئيساً له ، فإذا به يحقد عليه ويحقره ، وتشتعل نفسه عليه غضباً ، وكان عليه أن يتساءل قبل هذا كله : أأخذ زميله شيئاً من مُلْك الله دون قضائه وقدره ، إذن : فعليك إذا لم تحترم هذا الزميل أن تحترم قدر الله فيه ، فما أخذَ شيئاً غصباً عن الله . لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اسمعوا وأطيعوا ، ولو وُلِّى عليكم عبد حبشيّ ، كأنّ رأسَه زبيبة " . ثم يقول الحق سبحانه : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ … } .