Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 55-55)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : من خصال إسماعيل العظيمة التي ذكرها الله تعالى له : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ … } [ مريم : 55 ] أي : زوجته . والحق تبارك وتعالى لا يهتم بخَصْلة ولا يذكرها إلا إنْ كانت كبيرة عنده ، تساوي كونه صادقَ الوعد وكونه رسولاً ونبياً ، فمَنْ أراد أنْ يتصفَ بصفة من صفات النبوة ، فعليه أنْ يأمرَ أهله بالصلاة والزكاة . لكن ، لماذا اختص أهله بالذات ؟ اختص أهله لأنهم البيئة المباشرة التي إنْ صَلُحتْ للرجل صَلُحَ له بيته ، وصَلُحَتْ له ذريته ، إذا كان الرجل يلفت أهله إلى ذكر الله والصلاة خمس مرات في اليوم والليلة فإنه بذلك يسدُّ الطريق على الشيطان ، فليس له مجال في بيت يصلي أهله الخمس صلوات . لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " رحم الله امرأ استيقظ من الليل ، فصلَّى ركعتين ثم أيقظ أهله فإن امتنعتْ نضح في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّتْ ركعتين ، ثم أيقظتْ زوجها ، فإنِ امتنع نضحتْ في وجهه الماء " . إذن : فكل رجل وكل امراة يستطيع في كل ليلة أن يكون رسولاً لأهله ولبيئته يقوم فيها بمهمة الرسول لأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل ، فليس بعد تشريعه تشريع ، وليس بعد كتابه كتاب لأن أمته ستحمل رسالته من بعده ، وكل مؤمن منهم يعلم من الإسلام حُكْماً فهو خليفة لرسول الله في تبليغه . كما قال تعالى : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً … } [ البقرة : 143 ] فالرسول يشهد أنه بلَّغكم ، وعليكم أنْ تشهدوا أنكم بلّغتُم الناس ، وما دُمْتم بلَّغتم الناس مَنْطِقاً ولفظاً فلا بُدَّ أنْ يكون سلوكاً أيضاً ، لأن لكم في رسول الله أسوة حسنة . ودائماً ما يقرن الحق - تبارك وتعالى - بين الصلاة والزكاة ، والصلاة تأخذ بعض الوقت ، والزكاة تأخذ المال الذي هو فرع العمل الذي هو فرع الوقت ، فإنْ كانت الزكاة تأخذ نتيجة الوقت ، فالصلاة تأخذ الوقت نفسه . إذن : ففي الصلاة زكاة أبلغ من الزكاة . وإنْ كان في الزكاة نماء المال وبركته - وإنْ كانت في ظاهرها نقصاً - ففي الصلاة نماء الوقت وبركته ، فإياك أنْ تقول : أنا مشغول ، ولا أجد وقتاً للصلاة لأن الدقائق التي ستصلي فيها فَرْض ربك هي التي ستُشِيع البركة في وقتك كله . كما أنك حين تقف بين يَدَيْ ربك في الصلاة تأخذ شحنة إيمانية نوارنية تُعينك على أداء مهمتك في الحياة ، وتعرض نفسك على ربِّك وخالقك وصانعك ، ولن تُعدم خيراً ينالك من هذا اللقاء . ولك أنْ تتصوّر صنعةً تُعرَض على صانعها خمس مرات كل يوم ، هل يصيبها عُطْل أو عَطَب ؟ ! وإنْ كان المهندس الصانع يعالج بأشياء مادية فلأنه حِسِّيٌّ مشهود ، أما الخالق سبحانه فهو غَيْب يصلحك من حيث لا تدري . وإنْ كان إسماعيل - عليه السلام - يأمر أهله بالصلاة والزكاة فهو حريص عليها من باب أَوْلَى . وقوله تعالى : { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } [ مريم : 55 ] أي : رضي الله عنه ، ليس لخصال الخير التي وصفه بها ، بل من بدايته ، فقد رضي عنه فاختاره رسولاً ونبياً . ثم يقول الحق سبحانه : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ … } .