Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 65-65)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أولاً : ما علاقة قوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [ مريم : 64 ] بقوله تعالى في هذه الآية : { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا … } [ مريم : 65 ] ؟ قالوا : لأن هذا الكون العظيم بسمائه وأرضه ، وما فيه من هندسة التكوين وإبداع الخلق قائم بقيومية الله تعالى عليه ، كما قال سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ … } [ فاطر : 41 ] . فلا تظن أن الكون قائم على قانون يُديره ، بل على القيومية القائمة على كل أمر من أمور الكون ، والحق - تبارك وتعالى - لا تأخذه سنة ولا نوم . فما دام الأمر كذلك ، وأنه تعالى يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا ، وما بين ذلك ، وأنه تعالى قيُّوم لا ينسى ولا يغفل وبه يقوم الكون . فهو - إذن - يستحق العبادة والطاعة فيما أمر ، وقد أعطاك قبل أن يُكلّفك عطاء لا تستطيع أنت أن تفعله لنفسك ، ثم تركك تربع في هذا النعيم خمس عشرة سنة دون أنْ يُكلِّفك بشيء من العبادات . لذلك هنا يقول تعالى : { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ … } [ مريم : 65 ] وقد أكّد القرآن الكريم في آيات كثيرة مسألة الوحدانية ، وأنه رَبٌّ واحد فقال : { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا … } [ مريم : 65 ] . وقال : { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] . وقال : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 26 ] . لأن القدماء ، ومنهم - مثلاً - قدماء المصريين كانوا يجعلون رباً للسماء ، ورباً للأرض ، ورباً للجو ، ورباً للأموات ، ورباً للزرع … إلخ وما دام هو سبحانه رب كل شيء فقد رتب العبادة على الربوبية . والعبادة : طاعة معبود فيما أمر وفيما نهى ، وكيف لا نطيع الله ونحن خَلْقه وصَنْعته ، ونأكل رزقه ، ونتقلب في نعمه ؟ وفي ريفنا يقول الرجل لولده المتمرد عليه : مَنْ يأكل لقمتي يسمع كلمتي . ولا بُدَّ أن نعلم أن الله تعالى له الكمال المطلق قبل أنْ يخلق الخَلْق وبصفات الكمال خلق ، فلا تنفعه طاعة ، ولا تضره معصية . فإن قلتَ : فلماذا - إذن - يُكلِّف الخَلْق بالأمر والنهي ؟ نقول : كلَّف الله الخَلْق لتستمر حركة الحياة وتتساند الجهود ولا تتصادم ، فيحدث في حياتهم الارتقاء ويسعدوا بها ، إنما لو تركهم وأهواءهم لَفسدتِ الحياة ، فأنت تبني وغيرك يهدم . لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " . والحق تبارك وتعالى يقول : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ … } [ المؤمنون : 71 ] . إذن : التشريعات جُعلَتْ لصالحنا نحن : { فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ … } [ مريم : 65 ] لأن العبادة فيها مشقة ، فلا بُدَّ لها من صبر لأنها تأمرك بأشياء يشقُّ عليك أنْ تفعلها ، وينهاك عَنْ أشياء يشقُّ عليك أن تتركها لأنك ألِفْتها . والصبر يكون منا جميعاً ، يصبر كُلٌّ مِنَّا على الآخر لأننا أبناء أغيار ، فإن صبرتَ على الأذى صبر الناس عليك إنْ حدث منك إيذاء لهم لذلك يقول تعالى : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] . والحق - سبحانه وتعالى - يُعلِّمنا : إن أذنب أحد في حَقْك ، أو أساء إليك فاغفر له كما تحب أن أغفر لك ذنبك ، واعفوَ عن سيئتك . يقول تعالى : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 22 ] . ولا تظن أن صبرك على أذى الآخرين أو غفرانك لهم تطوُّع من عندك لأنه لن يضيع عليك عند الله ، وستُردُّ لك في سيئة تُغفَر لك . حتى مَنْ فُضِح مثلاً أو ادُعي عليه ظُلْماً لا يضيعها الله ، بل يدّخرها له في فضيحة سترها عليه ، فمَنْ فُضِح بما لم يفعل ، سُتر عليه ما فعل . وقوله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] ؟ سبق أن تكلمنا في معنى السَّميّ وقد اختلف العلماء في معناها ، قالوا : السَّميُّ : الذي يُساميك ، أي : أنت تسمو وهو يسمو عليك ، أو السَّميّ : النظير والمثيل . والحق سبحانه وتعالى ليس له سميٌّ يُساميه في صفات الكمال ، وليس له نظير أو مثيل أو شبيه ، بدليل قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] . وقوله تعالى : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 - 4 ] . وللسميِّ معنى آخر أوضحناه في قصة يحيى ، حيث قال تعالى : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } [ مريم : 7 ] أي : لم يسبق أنْ تسمَّى أحد بهذا الاسم . وكذلك الحق - تبارك وتعالى - لم يتسمَّ أحدٌ باسمه ، لا قبل هذه الآية ، ولا بعد أنْ أطلقها رسول الله تحدّياً بين الكفار والملاحدة الذين يتجرؤون على الله . فلماذا لم يجرؤ أحد من هؤلاء أنْ يُسمى ولده الله ؟ الحقيقة أن هؤلاء وإنْ كانوا كفاراً وملاحدة إلا أنهم في قرارة أنفسهم يؤمنون بالله ، ويعترفون بوجوده ، ويخافون من عاقبة هذه التسمية ، ولا يأمنون أنْ يصيبهم السوء بسببها . إذن : لم تحدث ، ولم يجرؤ أحد عليها لأن الله تعالى قالها وأعلنها تحدياً ، وإذا قال الله تعالى ، ملَكَ اختيار الخَلْق ، وعلم أنهم لن يجرؤوا على هذه الفعلة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ … } .