Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 69-69)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النزع : خَلْع الشيء من أصله بشدة ، ولا يقال : نزع إلا إذا كان المنزوع متماسكاً مع المنزوع منه ، ومن ذلك قوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } [ آل عمران : 26 ] كأنهم كانوا مُتمسّكين به حريصين عليه . وقوله : { مِن كُلِّ شِيعَةٍ … } [ مريم : 69 ] أي : جماعة متشايعون على رأي باطل ، ويقتنعون به ، ويسايرون أصحابه : { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [ مريم : 69 ] العتي : وهو الذي بلغ القمة في الجبروت والطغيان ، بحيث لا يقف أحد في وجهه ، كما قلنا كذلك في صفة الكِبَر { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [ مريم : 8 ] لأنه إذا جاء الكبر لا حيلةَ فيه ، ولا يقدر عليه أحد . ومعلوم أن رسالات السماء لما نزلتْ على أهل الأرض كان هناك أناس يُضارون من هذه الرسالات في أنفسهم ، وفي أموالهم ، وفي مكانتهم وسيادتهم ، فرسالات الله جاءتْ لتؤكد حَقّاً ، وتثبت وحدانية الله ، وسواسية الخَلْق بالنسبة لمنهج الله . وهناك طغاة وجَبَّارون وسادة لهم عبيد ، وفي الدنيا القوى والضعيف ، والغني والفقير ، والسليم والمريض ، فجاءت رسالات السماء لِتُحدِث استطراقاً للعبودية . فَمن الذي يُضَار ويَغْضَب ويعادي رسالات السماء ؟ إنهم هؤلاء الطغاة الجبارون ، أصحاب السلطة والمال والنفوذ ، ولا بُدَّ أن لهؤلاء أتباعاً يتبعونهم ويشايعونهم على باطلهم . فإذا كان يوم القيامة ويوم الحساب ، فبمَنْ نبدأ ؟ الأنكَى أن نبدأ بهؤلاء الطغاة الجبابرة ، ونقدم هؤلاء السادة أمام تابعيهم حتى يروهم أذلاء صاغرين ، وقد كانوا في الدنيا طغاةً متكبرين ، كذلك لنقطع أمل التابعين في النجاة . فربما ظَنُّوا أن هؤلاء الطغاة الجبابرة سيتدخلون ويدافعون عنهم ، فقد كانوا في الدنيا خدمهم ، وكانوا تابعين لهم ومناصرين ، فإذا ما أخذناهم أولاً وبدأنا بهم ، فقد قطعنا أمل التابعين في النجاة . وقد ورد هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ } [ النمل : 83 ] أي : من كبارهم وطُغَاتهم ، ليرى التابعون مصارع المتبوعين ، ويشهد الضعفاء مصارع الأقوياء ، فينقطع أملهم في النجاة . وفي حديث القرآن عن فرعون ، وقد بلغ قمة الطغيان والجبروت حيث ادَّعى الألوهية ، فقال عنه : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [ هود : 98 ] فهو قائدهم ومقدمتهم إلى جهنم ، كما كان قائدهم إلى الضلال في الدنيا ، فهو المعلم وهم المقلّدون . فعليه - إذن - وزْران : وزر ضلاله في نفسه ، ووزْر إضلاله لقومه ، كما جاء في قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً … } [ البقرة : 79 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ … } .