Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المتأمل لهذه القصة يجد هذه الآية قد اختصرت من القصة ما يفهم من سياقها ثقةً في نباهة السامع ، وأنه قادر على إكمال المعنى ، فكأن معنى الآية : سمع الله دعاء زكريا وحيثيات طلبه ، فأجابه بقوله : { يٰزَكَرِيَّآ … } [ مريم : 7 ] . وتوجيه الكلام إلى زكريا عليه السلام هكذا مباشرة دليلٌ على سرعة الاستجابة لدعائه ، فجاءت الإجابة مباشِرة دون مُقدِّمات . ومثال ذلك : ما حكاه القرآن من قصة سليمان - عليه السلام - وبلقيس ، قال سليمان : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ … } [ النمل : 38 - 40 ] فبيْنَ قوله : { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ … } [ النمل : 40 ] وقوله : { رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ … } [ النمل : 40 ] كلام يقتضيه سياق القصة ، كأن نقول : فأذِن له فذهب وأتى بالعرش ، لكن جاء الأسلوب سريعاً ليتناسب مع سرعة الحدث في إحضار عرش بلقيس من مكانه . وقوله : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ … } [ مريم : 7 ] البشارة : هي الإخبار بما يسرُّك قبل أن يجيء ليستطيل أمدَ الفرح بالشيء السَّار ، وقد يُبشرك مُساويك ويكذب في البُشْرى ، وقد تأتي الظروف والأحداث مُخالفة لما يظنه ، فكيف بك إذا بشّرك الله تعالى ؟ ساعة أن تكون البشارة من الله فاعلم أنها حَقٌّ وواقعٌ لا شكَّ فيه . وقوله : { بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ … } [ مريم : 7 ] أي : وسماه أيضاً . ونحن نعلم أن للبشر اختيارات في وَضْع الأسماء للمسميات ، ولهم الحرية في ذلك ، فواحدة تُسمى ولدها حرنكش هي حرة ، والأخرى تسمى ابنتها الزنجية قمر هي أيضاً حرة . إلا أن الناس حين يُسمُّون يتمنون في المسمّى مواصفات تَسرُّ النفس وتقرُّ العين ، فحين نُسمِّي سعيداً تفاؤلاً بأن يكون سعيداً فعلاً ، والاسم وُضِع للدلالة على المسمى ، لكن ، أيملك هذا المتفائل أن يأتي المسمى على وَفْق ما يحب ويتمنى ؟ لا ، لا يملك ذلك ولا يضمنه لأن هناك قوة أعلى منه تتحكم في هذه المسألة ، وقد يأتي المسمَّى على غير مُراده . أما إذا كان الذي سمّى هو الله تعالى فلا بد أن يتحقق الاسم في المسمَّى ، وينطبق عليه ، ولا بُدَّ أنْ يتحقَّق مراده تعالى في مَنْ سَمَّاه ، وقد سَمَّى الحق تبارك وتعالى ابن زكريا يحيى فلا بُدَّ أن تنطبق عليه هذه الصفة ، ويحيى فعل ضده يموت ، إذن : فهو سبحانه القادر على أن يُحييه ، لكن يحييه إلى متى ؟ وكم عاماً ؟ الحياة هنا والعيش يتحقق ولو بمتوسط الأعمار مثلاً ، فقد أحياه وتحققت فيه صفة الحياة . ولذلك استدل أهل المعرفة من تسميته يحيى على أن ابن زكريا سيموت شهيداً ليظل حياً كما سماه الله وقد كان . وقوله : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } [ مريم : 7 ] السميُّ : اختلف العلماء في معناها فقالوا : تأتي بمعنى : نظير أو مثيل أو شبيه وإما سمياً يعني : اسمه كاسمه . ومن ذلك قوله تعالى : { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] فقالوا : سمياً هنا تحمل المعنيين : هل تعلم له نظيراً أو شبيهاً لأنه سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] . ويمكن أن نقول بهذا المعنى أيضاً في قصة يحيى عليه السلام ، إلا أنه يقع فيه شيء وهو : أن الله تعالى حينما قال في مسألة يحيى : { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } [ مريم : 7 ] واعتبرناها بمعنى المِثْل أو النظير والشبيه ، فهذا يعني أنه لم يسبق يحيى واحد مثله في الصلاح والتقوى ، فأين - إذن - أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ؟ وأين إسماعيل وإسحاق ؟ فهذا المعنى وإن كان السياق يحتمله في غير هذا الموضع إلا أنه لا يستقيم هنا لأن الله تعالى جعل من قَبْل يحيى مَنْ هو أفضل من يحيى ، أو مثله على الأقل . أما المعنى الآخر فيكون : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] أي : هل هناك مَنْ تسمى باسمه تعالى ؟ وهذا هو المعنى الذي يستقيم في قصة يحيى عليه السلام لأنه أول اسم وضعه الحق سبحانه على ابن زكريا ، ولم يكن أحدٌ تسمى به من قبل ، أما بعده فقد انتشر هذا الاسم ، حتى قال الشاعر : @ وسَمَّيتُه يَحْيى ليحيى فلم يكُنْ لِردِّ قَضَاءِ اللهِ فِيهِ سَبِيلُ @@ ونقف هنا على آية من آيات الله في التسمية ، حيث لم يجرؤ أحد حتى من الكفرة والملاحدة الذين يجاهرون بإلحادهم ويعلنون إنكارهم للخالق سبحانه ، لم يجرؤ أحدهم أن يسمى ولده الله ، وحرية اختيار الأسماء مكفولة ، وهذا إنْ دَلَّ فإنما يدلُّ على أن كفرهم عناد ولَجَجٌ ، وأنهم غير صادقين في كُفْرهم ، ويعلمون أن الله موجود لذلك يخافون على أنفسهم وعلى أولادهم أنْ يُسمّوا بهذا الاسم . إذن : كلمة سَمِياً في مسألة الألوهية تُؤخَذ على المعنيين ، أما في مسألة يحيى فلا تحتمل إلا المعنى الثاني . وَهبْ أن الحق سبحانه وتعالى استعرض الأسماء السابقة فلم يجد في الماضي من سُمِّى الله فأعلنها تحدياً : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] ؟ فلم يحدث بعد هذا التحدي أنْ يُسمَّى أحد بهذا الاسم .