Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 82-82)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلا : تنفي أن يكون لهؤلاء عِزٌّ في عبادة ما دون الله ، بل { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } [ مريم : 82 ] . هذه الآلهة نفسها ستكفر بعبادتهم ، وتنكر أن تكون هي آلهة من دون الله ، وأكثر من ذلك { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] أي : في حين اتخذها الكفار آلهة من دون الله وطلبوا العزة في عبادتها تنقلب عليهم ، وتكون ضِدّاً لهم وخَصْماً . والضد : هو العدو المخالف لك ، والذي يحاول أنْ ينكِّل بك . وفي القرآن الكريم حوارات كثيرة بين هذه المعبودات ومَنْ عبدوها ، فمثلاً الذين عبدوا الملائكة واتخذوها آلهةً من دون الله : يسأل الله الملائكة : { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } ؟ [ سبأ : 40 ] فيُجيبون : { سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [ سبأ : 41 ] . ويقول الحق سبحانه وتعالى : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ … } [ البقرة : 166 ] . لذلك يقول الحق تبارك وتعالى عن هؤلاء : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } [ الأحقاف : 5 ] . إذن : ما ظنَّه الكفار عِزّاً ومَنَعة صار عليهم ضِدّاً وعداوة ، كالفتاة التي قالتْ لأبيها : يا أبتِ ما حملك على أنْ تقبلني مخطوبة لابن فلان ؟ أي : ماذا أعجبك فيه ؟ قال : يا بُنيّتي إنهم أهل عِزٍّ وأهل جاهٍ وشرف وأهل قوة ومنعة ، فقالت : يا أبتِ لقد قدَّرْتَ أن يكون بيني وبين ابنهم وُدٌّ ، ولم تٌقدِّر أن يكون بيني وبينه كراهية ، فإن حدثتْ الكراهية سيكون ما قلته ضدك ، وستشْقى أنت بهذا العزّ وبهذا الجاه . ومن الناس من اتخذ من المال إلهاً ، على حَدِّ قَوْل الشاعر : @ وَللمالِ قَوْمٌ إنْ بَدا المالُ قَائِلاً أنَا المالُ قالَ القومُ إيَّاكَ نعبُدُ @@ وهؤلاء الذين يعبدون المال ، ويروْن فيه القوة ، ويعتزُّون به لا يدرون أنه سيكون وَبَالاً ونَكالاً عليهم يوم القيامة : { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 35 ] . وهكذا ، كلما زاد حرصه على المال زاد كَيُّه . وتلحظ في الآية الترتيب الطبيعي لموقف السؤال حين يقف السائلُ الفقير أمام الغني اللئيم ، فأوَّل ما يطالع السائل يتغيّر وجهه ، ثم يُشيح عنه بوجهه ، فيعطيه جَنْبه ، ثم يُدير له ظهره مُعْرِضاً عنه ، وبنفسِ هذا الترتيب يكون العذاب ويكون الكيُّ والعياذ بالله . وينقلب المال الذي ظَنّ العزة فيه إلى نكَالٍ ووبَالٍ . يقول تعالى : { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 6 ] . حتى الجوارح التي تمتعتْ بمعصيتك في الدنيا ستشهد عليك : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . ذلك لأنك غفلتَ عمَّنْ كان يجب ألاَّ تغفل عنه ، وذكرت مَنْ كان يجب ألاَّ تذكره ، فالإله الحق الذي غفلْتَ عنه يطلبك الآن ويحاسبك ، والإله الباطل الذي اتخذته يتخلى عنك ويُسلِمك للهلاك . ثم يقول الحق سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا … } .