Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 83-83)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأزُّ : هو الهزُّ الشديد بعنف أي : تُزعجهم وتُهيجهم ، ومثْلُه النزغ في قوله سبحانه وتعالى : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ … } [ الأعراف : 200 ] . والأَزّ أو النَّزْغ يكون بالوسوسة والتسويل ليهيجه على المعصية والشر ، كما يأتي هذا المعنى أيضاً بلفظ الطائف ، كما في قوله تبارك وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 ] . وهذه الآية : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ … } [ مريم : 83 ] تثير سؤالاً : إذا كان الحق تبارك وتعالى يكره ما تفعله الشياطين بالإنسان المؤمن أو الكافر ، فلماذا أرسلهم الله عليه ؟ أرسل الله الشياطين على الإنسان لمهمة يؤدونها ، هذه المهمة هي الابتلاء والاختبار ، كما قال تعالى : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . إذن : فهم يُؤدُّون مهمتهم التي خُلِقوا من أجلها ، فيقفوا للمؤمن ليصرفوه عن الإيمان فيُمحص الله المؤمنين بذلك ، ويُظهر صلابة مَنْ يثبت أمام كيد الشيطان . وقلنا : إن للشيطان تاريخاً مع الإنسان ، بداية من آدم عليه السلام حين أَبَى أن يطيع أمر الله له بالسجود لآدم ، فطرده الله تعالى وأبعده من رحمته ، فأراد الشيطان أنْ ينتقمَ من ذرية آدم بسبب ما ناله من آدم ، فقال : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] . وقال : { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] . وهكذا أعلن عن منهجه وطريقته ، فهو يتربص لأصحاب الاستقامة ، أما أصحاب الطريق الأعوج فليسوا في حاجة إلى إضلاله وغوايته . لذلك نراه يتهدد المؤمنين : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ … } [ الأعراف : 17 ] . ومعلوم أن الجهات ست ، يأتي منها الشيطان إلا فوق وتحت لأنهما مرتبطتان بعزِّ الألوهية من أعلى ، وذُلّ العبودية من أسفل ، حين يرفع العبد يديه لله ضارعاً وحين يخِرُّ لله ساجداً لذلك أُغلِقَتْ دونه هاتان الجهتان لأنهما جهتا طاعة وعبادة وهو لا يعمل إلا في الغفلة ينتهزها من الإنسان . والمتأمل في مسألة الشيطان يجد أن هذه المعركة وهذا الصراع ليس بين الشيطان وربه تبارك وتعالى ، بل بين الشيطان والإنسان لأنه حين قال لربه تعالى : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] التزم الأدب مع الله . فالغواية ليست مهارة مني ، ولكن إغويهم بعزتك عن خَلْقك ، وترْكِكَ لهم الخيارَ ليؤمن مَنْ يؤمن ، ويكفر مَنْ يكفر ، هذه هي النافذة التي أنفذ منها إليهم ، بدليل أنه لا سلطانَ لي على أهلك وأوليائك الذين تستخلصهم وتصطفيهم : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 83 ] . وهنا أيضاً يثار سؤال : إذا كان الشيطان لا يقعد إلا على الصراط المستقيم لِيُضلَّ أهله ، فلماذا يتعرَّض للكافر ؟ نقول : لأن الكافر بطبعه وفطرته يميل إلى الإيمان وإلى الصراط المستقيم ، وها هو الكون بآياته أمامه يتأمله ، فربما قاده التأمل في كَوْن الله إلى الإيمان بالله لذلك يقعد له الشيطان على هذا المسْلك مسْلك الفكر والتأمل لِيحُول بينه وبين الإيمان بالخالق عز وجل . فالشيطان ينزغك ، إما ليحرك فيك شهوة ، أو ليُنسِيك طاعة ، كما قال تعالى : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ … } [ الكهف : 63 ] . وقال : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنعام : 68 ] . وكثير من الإخوان يسألون : لماذا في الصلاة بالذات تُلِحُّ علينا مشاكل الحياة ومشاغل الدنيا ؟ نقول : هذه ظاهرة صحية في الإيمان ، لأن الشيطان لولا علمه بأهمية الصلاة ، وأنها ستُقبل منك ويُغفر لك بها الذنوب ما أفسدها عليك ، لكن مشكلتنا الحقيقية أننا إذا أعطانا الشيطان طرفَ الخيط نتبعه ونغفل عن قَوْل ربنا تبارك وتعالى : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ … } [ فصلت : 36 ] . فما عليك ساعةَ أنْ تشعر أنك ستخرج عن خطِّ العبادة والإقامة بين يدي الله إلاَّ أنْ تقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، حتى وإنْ كنت تقرأ القرآن ، لك أنْ تقطعَ القراءة وتستعيذ بالله منه ، وساعةَ أن يعلم منك الانتباه لكيده وألاعيبه مرة بعد أخرى سينصرف عنك وييأس من الإيقاع بك . وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً باللص لأنه لا يحوم حول البيت الخرب ، إنما يحوم حول البيت العامر ، فإذا ما اقترب منه تنبّه صاحب البيت وزجره ، فإذا به يلوذ بالفرار ، وربما قال اللص في نفسه : لعل صاحب البيت صاح مصادفة فيعاود مرة أخرى ، لكن صاحب الدار يقظٌ منتبه ، وعندها يفرُّ ولا يعود مرة أخرى . ويجب أن نعلم أن من حيل الشيطان ومكائده أنه إذا عَزَّ عليه أغواؤك في باب ، أتاك من باب آخر لأنه يعلم جيداً أن للناس مفاتيح ، ولكل منا نقطة ضعف يُؤتَى من ناحيتها ، فمن الناس مَنْ لا تستميله بقناطير الذهب ، إنما تستميله بكلمة مدح وثناء . وهذا اللعين لديه طفاشات مختلفة باختلاف الشخصيات . لذلك من السهل عليك أنْ تُميِّز بين المعصية إنْ كانت من النفس أم من الشيطان : النفس تقف بك أمام شهوة واحدة تريدها بعينها ولا تقبل سواها ، فإنْ حاولتَ زحزحتها إلى شهوة أخرى أبتْ إلا ما تريد ، أما الشيطان فإنْ عزَّتْ عليك معصية دعاك إلى غيرها ، المهم أن يُوقِع بك . فالحق تبارك وتعالى يُحذرنا الشيطان لأنه يحارب في الإنسان فطرته الإيمانية التي تُلح عليه بأن للكون خالقاً قادراً ، والدليل على الوجود الإلهي دليل فطري لا يحتاج إلى فلسفة ، كما قال العربي قديماً : البعرة تدل على البعير ، والقدم تدل على المسير … سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟ ! وكذلك ، فكل صاحب صنعة عالم بصنعته وخبير بدقائقها ومواطن العطب فيها ، فما بالك بالخالق سبحانه : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] . إذن : فالأدلة الإيمانية أدلة فطرية يشترك فيها الفيلسوف وراعي الشاة ، بل ربما جاءت الفلسفة فعقَّدتْ الأدلة . ولنا وقفة مع قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ … } [ مريم : 83 ] ومعلوم أن عمل الشيطان عمل مستتر ، كما قال تعالى : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ … } [ الأعراف : 27 ] . فكيف يخاطب الحق - تبارك وتعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة بقوله : { أَلَمْ تَرَ … } [ مريم : 83 ] وهي مسألة لا يراها الإنسان ؟ نقول : { أَلَمْ تَرَ … } [ مريم : 83 ] بمعنى ألم تعلم ؟ فعدَل عن العلم إلى الرؤيا ، كما في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَرَ هذه الحادثة ، فكيف يخاطبه ربه عنها بقوله : { أَلَمْ تَرَ … } [ الفيل : 1 ] ؟ ذلك ، ليدلك على أن إخبار الله لك أصحُّ من إخبار عينك لك لأن رؤية العين بما تخدعك ، أمّا إعلام الله فهو صادق لا يخدعك أبداً . فعلمك من إخبار الله لك أَوْلَى وأوثق من علمك بحواسِّك . والشياطين : جمع شيطان ، وهو العاصي من الجنّ ، والجن خَلْق مقابل للإنسان قال الله عنهم : { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } [ الجن : 11 ] فَمنْ هم دون الصالحين ، هم الشياطين . ثم يقول الحق سبحانه : { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ … } .