Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 115-115)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى جزاء الذين يخربون مساجد الله ويهدمونها … ويمنعون أن يُذْكَرَ فيها اسمه والعذاب الذي ينتظرهم في الآخرة أراد أن يذكرنا بأن تنفيذ هذا على مستوى تام وكامل عملية مستحيلة لأن الأرض كلها مساجد … وتخريبها معناه أن تخرب الأرض كلها … لأن الله تبارك وتعالى موجود في كل مكان فأينما كنتم فستجدون الله مقبلاً عليكم بالتجليات . وقوله تعالى : { فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 115 ] … أي هناك وجه الله … وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 115 ] … أي لا تضيقوا بمكان التقاءاتكم بربكم لأن الله واسع موجود في كل مكان في هذا الكون وفي كل مكان خارج هذا الكون … ولكن إذا قال الله سبحانه وتعالى : { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } [ البقرة : 115 ] لا يعني تحديد جهة الشرق أو جهة الغرب فقط … ولكنه يتعداها إلى كل الجهات شرقها وغربها … شمالها وجنوبها والشمال الشرقي والجنوب الغربي وكل جهة تفكر فيها . ولكن لماذا ذكرت الآية الشرق والغرب فقط ؟ لأن بعد ذلك كل الجهات تحدد بشروق الشمس وغروبها … فهناك شمال شرقي وجنوب شرقي وشمال غربي وجنوب غربي … كما إن الشرق والغرب معروف بالفطرة عند الناس … فلا أحد يجهل من أين تشرق الشمس ولا إلى أين تغرب … فأنت كل يوم ترى شروقاً وترى غروباً . الله سبحانه وتعالى حين يقول : { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } [ البقرة : 115 ] فليس معناها حصر الملكية لهاتين الجهتين ولكنه ما يعرف بالاختصاص بالتقديم … كما تقول بالقلم كتبت وبالسيارة أتيت … أي أن الكتابة هي خصوص القلم والإتيان خصوص السيارة … وهذا ما يعرف بالاختصاص … فهذا مختص بكذا وليس لغيره شيء فيه … ولذلك فإن معنى : { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } [ البقرة : 115 ] … أن الملكية لله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد … وتغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ليس معناه أن الله تبارك وتعالى في بيت المقدس والاتجاه بعد ذلك إلى الكعبة ليس معناه إن الله جل جلاله في الكعبة . إن توحيد القبلة ليس معناه أكثر من أن يكون للمسلمين اتجاه واحد في الصلاة … وذلك دليل على وحدة الهدف … فيجب أن تفرق بين اتجاه في الصلاة واتجاه في غير الصلاة … اتجاه في الصلاة نكون جميعاً متجهين إلى مكان محدد إختاره الله لنا لنتجه إليه في الصلاة … والناس تصلي في جميع أنحاء العالم متجهة إلى الكعبة … الكعبة مكانها واحد لا يتغير … ولكن اتجاهنا إليها من بقاع الأرض هو الذي يتغير … فواحد يتجه شمالاً وواحد يتجه جنوباً وواحد يتجه شرقاً وواحد يتجه غرباً . . كل منا يتجه اتجاهاً مختلفاً حسب البقعة التي يوجد عليها من الأرض … ولكننا جميعاً نتجه إلى الكعبة رغم اختلاف وجهاتنا إلا أننا نلتقي في اتجاهنا إلى مكان واحد . الله جل جلاله يريدنا أن نعرف أننا إذا قلنا : " وللهِ المشرقُ " فلا نظن أن المشرق اتجاه واحد بل إن المشرق يختلف باختلاف المكان … فكل مكان في الأرض له مشرق وله مغرب … فإذا أشرقت الشمس في مكان فإنها في نفس الوقت تغرب في مكان آخر … تشرق عندي وتغرب عند غيري … وبعد دقيقة تشرق عند قوم وتغرب عند آخرين … فإذا نظرت إلى الشرق وإلى الغرب بالنسبة لشروق الشمس الظاهري وغروبها … تجد أن المشرق والمغرب لا ينتهيان من على سطح الأرض … في كل دقيقة شروق وغروب . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 115 ] … أي يتسع لكل ملكه لا يشغله شيء عن شيء … ولذلك عندما سئل الإمام علي كرم الله وجهه … كيف يحاسب الله الناس جميعاً في وقت واحد ؟ قال كما يرزقهم جميعاً في وقت واحد … إذن فالله لا يشغله شيء عن شيء … ولا يحتاج في عمله إلى شيء … إنما عمله " كن فيكون " .