Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 116-116)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى أن له كل شيء في الكون لا يشغله شيء عن شيء … أراد أن يرد على الذين حاولوا أن يجعلوا لله معيناً في ملكه … الذين قالوا اتخذ الله ولداً … الله تبارك وتعالى رد عليهم أنه لماذا يتخذ ولداً وله ما في السماوات والأرض كل له قانتون … وجاء الرد مركزاً في ثلاث نقاط … قوله تعالى : " سبحانه " أي تنزه وتعالى أن يكون له ولد … وقوله تعالى : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 116 ] … فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعاً له فما حاجته للولد ؟ وقوله سبحانه : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [ البقرة : 116 ] … أي كل من في السماوات والأرض عابدون لله جل جلاله مقرون بألوهيته . قضية إن لله سبحانه وتعالى ولداً جاءت في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ومعها الرد عليها … ولأنها قضية في قمة العقيدة فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد أخرى … وإذا نظرت للذين قالوا ذلك تجد أن هناك أقوالاً متعددة … هناك قول قاله المشركون … واقرأ القرآن الكريم : { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } [ الصافات : 151 - 153 ] . وقول اليهود كما يروي لنا القرآن : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ … } [ التوبة : 30 ] . وقول النصارى : { وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ … } [ التوبة : 30 ] . ثم في قصة خلق عيسى عليه السلام من مريم بدون رجل … الله سبحانه وتعالى يقول : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 88 - 93 ] . والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن هذا ادعاء خطير مستقبح مستنكر وممقوت … لقد عالجت سورة مريم المسألة علاجاً واسعاً … علاجاً اشترك فيه انفعال كل أجناس الكون غير الإنسان … انفعال السماوات والأرض والجبال وغيرها من خلق الله التي تلعن كل من قال ذلك … بل وتكاد شعوراً منها بفداحة الجريمة أنْ تنفطر السماء أي تسقط قطعاً صغيرة … وتنشق الأرض أي تتمزق … وتخر الجبال أي تسقط كتراب … كل هذا من هول ما قيل ومن كذب ما قيل … لأن هذا الادعاء افتراء على الله . ولقد جاءت كل هذه الآيات في سورة مريم التي أعطتنا معجزة خلق عيسى … كما وردت القضية في عدة سور أخرى . والسؤال هنا ما هي الشبهة التي جعلتهم يقولون ولد الله ؟ ما الذي جعلهم يلجأون إلى هذا الافتراء ؟ القرآن يقول عن عيسى بن مريم . . كلمة الله ألقاها إلى مريم … نقول لهم كلنا كلمة " كن " . لماذا فتنتم في عيسى ابن مريم هذه الفتنة ؟ والله سبحانه وتعالى يشرح المسألة فيقول : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] . قوله كمثل آدم لمجرد مجاراة الخصم … ولكن المعجزة في آدم أقوى منها في عيسى عليه السلام … أنتم فتنتم في عيسى لأن عنصر الأبوة ممتنع … وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة … إذن فالمعجزة أقوى … وكان الأولى أن تفتنوا بآدم بدل أن تفتنوا بعيسى … ومن العجيب أنكم لم تذكروا الفتنة في آدم وذكرتم الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم … وكان من الواجب أن تنسبوا هذه القضية إلى آدم ولكنكم لم تفعلوا . ورسول الله صلى الله عليه وسلم … قال له الله إن القضية ليست قضية إنكار ولكنها قضية كاذبة … واقرأ قوله تبارك وتعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] . أي لن يضير الله سبحانه وتعالى أن يكون له ولد … ولكنه جل جلاله لم يتخذ ولداً … فلا يمكن أن يعبد الناس شيئاً لم يكن لله … وإنما ابتدعوه واختلقوه … الله جل جلاله يقول : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 116 ] … قوله تعالى : { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 116 ] تعطي الله سبحانه وتعالى الملكية لكل ما في الكون … والملكية تنافي الولدية … لماذا ؟ لأن الملكية معناها أن كل ما في الكون من خلق الله … كل شيء هو خالقه بدون معارض … وما دام هو خالقه وموجده … فلا يمكن أن يكون هذا الشيء جزءاً منه … لأن الذي يخلق شيئاً يكون فاعلاً … والفاعل له مفعول … والمفعول لا يكون منه أبداً … هل رأيت واحداً صنع صنعة منه ؟ الذي يصنع سيارة مثلاً … هل صنعها من لحمه أو من لحم البشر ؟ وكذلك الطائرة والكرسي والساعة والتليفزيون … هل هذه المصنوعات من جنس الذي صنعها ؟ طبعاً لا . إذن ما دام ملكية … فلا يقال إنها من نفس جنس صانعها … ولا يقال إن الفاعل أوجد من جنسه … لأن الفاعل لا يوجد من جنسه أبداً … كل فاعل يوجد شيئاً أقل منه … فقول الله : " سبحانه " … أي تنزيه له تبارك وتعالى … لماذا ؟ لأن الولد يتخذ لاستبقاء حياة والده التي لا يضمنها له واقع الكون … فهو يحمل اسمه بعد أن يموت ويرث أملاكه . . إذن هو من أجل بقاء نوعه … والذي يريد بقاء النوع لا يكفيه أن يكون له ولد واحد . لو فرضنا جدلاً أَنَّ له ولداً واحداً فالمفروض أن هذا الولد يكون له … ولكننا لم نر أولاداً لمن زعموا أنه ابن الله … وعندما وقبلما يوجد الولد ماذا كان الله سبحانه وتعالى يفعل وهو بدون ولد ؟ وماذا استجد على الله وعلى كونه بعد أن اتخذ ولداً كما يزعمون … لم يتغير شيء في الوجود … إذن إن وجود ولد بالنسبة للإله لم يعطه مظهراً من مظاهر القوة … لأن الكون قبل أن يوجد الولد المزعوم وبعده لم يتغير فيه شيء . إذن فما سبب اتخاذ الولد ؟ معونة ؟ الله لا تضعف قوته … ضمان للحياة ؟ الله حياته أزلية … هو الذي خلق الحياة وهو الذي يهبها وهو حي لا يموت … فما هي حاجته لأي ضمان للحياة ؟ الحق سبحانه وتعالى تنفعل له الأشياء … أي إنه قادر على إبراز الشيء بمقتضى حكمه … وهو جل جلاله له كمال الصفات أزلاً … وبكمال صفاته خلق هذا الكون وأوجده … لذلك فهو ليس في حاجة إلى أحد من خلقه … لأنه ساعة خلق كانت له كل صفات القدرة على الخلق … بل قبل أن يخلق كانت له كل صفات الخالق وبهذه الصفات خلق … والله سبحانه وتعالى كان خالقاً قبل أن يخلق أحداً من خلقه … وكان رزاقاً قبل أن يوجد من يرزقه … وكان قهاراً قبل أن يوجد من يقهره … وكان تواباً قبل أن يوجد من يتوب عليه … وبهذه الصفات أوجد وخلق ورزق وقهر وتاب على خلقه . إذن كل هذا الكون لم يضف صفة من صفات الكمال إلى الله … بل إن الله بكمال صفاته هو الذي أوجد . ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي : " يا عبادي لَوْ أَنَّ أولَكُم وَآخِرَكُم وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صعيدٍ واحدٍ ، فسألوني ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إنسان مَسْألته ما نقص ذلك مِنْ ملكي شيئاً إلا كما يَنْقُصُ المخِيطُ إذا غُمس في البحر … " ثم إذا كان لله سبحانه وتعالى زوجة وولد … فمن الذي وجد أولاً ؟ … إذا كان الله سبحانه وتعالى قد وجد أولاً … ثم بعد ذلك أوجد الزوجة والولد فهو خالق وهما مخلوقان … وإن كان كل منهم قد أوجد نفسه فهم ثلاثة آلهة وليسوا إلها واحداً … إذن فالولد إما أن يكون مخلوقاً أو يكون إلهاً … والكمال الأول لله لم يزده الولد شيئاً … ومن هنا يصبح وجوده لا قيمة له … وحين يعرض الحق تبارك وتعالى هذه القضية يعرضها عرضاً واسعاً في كثير من سور القرآن الكريم وأولها سورة مريم في قوله تعالى : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [ مريم : 88 ] . إنه سبحانه منزه عن التماثل مع خلقه … لا بالذات ولا بالصفات ولا بالأفعال … كل شيء تراه في الوجود … الله منزه عنه … وكل شيء يخطر على بالك فالله غير ذلك … قوله تعالى : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 116 ] … فتلك قضية تناقض اتخاذ الولد لأن كل ما في السماوات والأرض خاضع لله … قوله تعالى { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [ البقرة : 116 ] … أي خاضعون ، وهذا يؤكد لنا أن كون الله في قبضة الله خاضع مستجيب اختياراً أو قهراً لأمر الله .