Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 120-120)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخل لؤم وكيد فيقولون هادنا ، أي قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا … يريد الله تبارك وتعالى أن يقطع على اليهود سبيل الكيد والمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم … بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك … وإنما هم يريدون أن تتبع أنت ملتهم … أنت تريد أن يكونوا معك وهم يطمعون أن تكون معهم … فقال الله سبحانه : { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [ البقرة : 120 ] … نلاحظ هنا تكرار النفي وذلك حتى نفهم أن رضا اليهود غير رضا النصارى … ولو قال الحق تبارك وتعالى ، ولن ترضى عنك اليهود والنصارى بدون لا … لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضا واحد أو متفقون … ولكنهم مختلفون بدليل أن الله تعالى قال : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ … } [ البقرة : 113 ] . إذن فلا يصح أن يقال فلن ترضى عنك اليهود والنصارى … والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن ترضى عنك اليهود ولن ترضى عنك النصارى … وإنك لو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى … وإن صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك اليهود … ثم يقول الحق سبحانه : { حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [ البقرة : 120 ] … والملة هي الدين وسميت بالملة لأنك تميل إليها حتى ولو كانت باطلاً … والله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 3 - 6 ] . فجعل لهم ديناً وهم كافرون ومشركون … ولكن ما الذي يعصمنا من أن نتبع ملة اليهود أو ملة النصارى … الحق جل جلاله يقول : { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 73 ] . فاليهود حَرَّفوا في ملتهم والنصارى حرفوا فيها … ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه هدى الله … والهدى هو ما يوصلك إلى الغاية من أقصر طريق … أو هو الطريق المستقيم باعتباره أقصر الطرق إلى الغاية … وهدى الله طريق واحد ، أما هدى البشر فكل واحد له هدى ينبع من هواه . ومن هنا فإنها طرق متشعبة ومتعددة توصلك إلى الضلال … ولكن الهدى الذي يوصل للحق هو هدى واحد … هدى الله عز وجل . وقوله تعالى : { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ } [ البقرة : 120 ] إشارة من الله سبحانه وتعالى إلى أن ملة اليهود وملة النصارى أهواء بشرية … والأهواء جمع هوى … والهوى هو ما تريده النفس باطلاً بعيداً عن الحق … لذلك يقول الله جل جلاله : { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ البقرة : 120 ] . . والله تبارك وتعالى يقول لرسوله لو اتبعت الطريق المعوج المليء بالشهوات بغير حق … سواء كان طريق اليهود أو طريق النصارى بعدما جاءك من الله من الهدى فليس لك من الله من ولي يتولى أمرك ويحفظك ولا نصير ينصرك . وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن نقف معه وقفة لنتأمل كيف يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه … فالله حين يوجه هذا الخطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام … فالمراد به أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتْباع رسول الله الذين سيأتون من بعده … وهم الذين يمكن أن تميل قلوبهم إلى اليهود والنصارى … أما الرسول فقد عصمه الله من أن يتبعهم . والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم يقيناً أن ما لم يقبله من رسوله عليه الصلاة والسلام … لا يمكن أن يقبله من أحد من أمته مهما علا شأنه … وذلك حتى لا يأتي بعد رسول الله من يَدَّعِي العلم … ويقول نتبع ملة اليهود أو النصارى لنجذبهم إلينا … نقول له لا ما لم يقبله الله من حبيبه ورسوله لا يقبله من أحد . إن ضرب المثل هنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود به أَنَّ اتِّبَاعَ ملة اليهود أو النصارى مرفوض تماماً تحت أي ظرف من الظروف ، لقد ضرب الله سبحانه المثل برسوله حتى يقطع على المغرضين أي طريق للعبث بهذا الدين بحجة التقارب مع اليهود والنصارى .