Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 119-119)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا لابد أن نلتفت إلى أن الله سبحانه وتعالى حينما يخبرنا عن قضية من فعله . يأتي دائما بنون العظمة التي نسميها نون المتكلم … ونلاحظ أن نون العظمة يستخدمها رؤساء الدول والملوك ويقولون نحن فلان أمرنا بما هو آت … فكأن العظمة في الإنسان سخرت المواهب المختلفة لتنفيذ القرار الذي يصدره رئيس الدولة … فيشترك في تنفيذه الشرطة والقضاء والدولة والقوات المسلحة إذا كان قرار حرب … تشترك مواهب متعددة من جماعات مختلفة تتكاتف لتنفيذ القرار … والله تبارك وتعالى عنده الكمال المطلق … كل ما هو لازم للتنفيذ من صفات الله سبحانه وتعالى … فإذا تحدث الله جل جلاله عن فعل يحتاج إلى كمال المواهب من الله تبارك وتعالى يقول " إنا " : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . ولكن حين يتكلم الله عن ألوهيته وحده وعن عبادته وحده يستخدم ضمير المفرد … مثل قوله سبحانه : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } [ طه : 14 ] . ولا يقول فاعبدنا … إذن ففي كل فعل يأتي الله سبحانه بنون العظمة … وفي كل أمر يتعلق بالعبادة والتوحيد يأتي بالمفرد … وذلك حتى نفهم أن الفعل من الله ليس وليد قدرته وحدها … ولا علمه وحده ولا حكمته وحدها ولا رحمته وحدها … وإنما كل فعل من أفعال الله تكاملت فيه صفات الكمال المطلق لله . إن نون العظمة تأتي لتلفتنا إلى هذه الحقيقة لتبرز للعقل تكامل الصفات في الله … لأنك قد تقدر ولا تعلم … وقد تعلم ولا تقدر ، وقد تعلم وتغيب عنك الحكمة … إذن فتكامل الصفات مطلوب . قوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } [ البقرة : 119 ] يعني بعثناك بالحق رسولاً … والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا يتناقض … فإذا رأيت حدثاً أمامك ثم طلب منك أن تحكي ما رأيت رويت ما حدث … فإذا طلب منك بعد فترة أن ترويه مرة أخرى فإنك ترويه بنفس التفاصيل … أما إذا كنت تكذب فستتناقض في أقوالك … ولذلك قيل إن كنت كذوباً فكن ذكوراً . إن الحق لا يتناقض ولا يتغير … وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل بالحق … فإنَّ عليه لأن يبلغه للناس وسيبقى الحق حقا إلى يوم القيامة . وقوله تعالى : { بَشِيراً وَنَذِيراً } [ البقرة : 119 ] … البشارة هي إخبار بشيء يسرك زمنه قادم … والإنذار هو الإخبار بشيء يسوؤك زمنه قادم ربما استطعت أن تتلافاه … بشير بماذا ؟ ونذير بماذا ؟ يبشر من آمن بنعيم الجنة وينذر الكافر بعذاب النار … والبشرى والإنذار يقتضيان منهجاً يبلغ . . من آمن به كان بشارة له . ومن لا يؤمن كان إنذاراً له . ثم يقول الحق جل جلاله : { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } [ البقرة : 119 ] … أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مسئولاً عن الذين سيلقون بأنفسهم في النار والعذاب . إنه ليس مسئولاً عن هداهم وإنما عليه البلاغ … واقرأ قوله تبارك وتعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] . ويقول جل جلاله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . فالله سبحانه وتعالى لو أرادنا أن نؤمن قسراً وقهراً … ما استطاع واحد من الخلق أن يكفر … ولكنه تبارك وتعالى يريد أن نأتيه بقلوب تحبه وليس بقلوب مقهورة على الإيمان … إن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختارين أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا … وليس لرسول أن يرغم الناس على الإيمان بالقهر … لأن الله لو أراد لقهر كل خلقه . أما أصحاب الجحيم فهم أهل النار . والجحيم مأخوذة من الجموح … وجمحت النار يعني اضطربت ، وعندما ترى النار متأججة يقال جمحت النار … أي أصبح لهيبها مضاعفا بحيث يلتهم كل ما يصل إليها فلا تخمد أبداً . والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن رسوله لله … أنه لا يجب أن ينشغل قلبه بالذين كفروا لأنه قد أنذرهم … وهذا ما عليه ، وهذه مهمته التي كلفه الله بها .