Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 131-131)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت … إذن : فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه … ولم يقل الحق أسلم إِليّ ، لأنها مفهومة … ولم يقل أسلم لربك لأن الإسلام لا يكون إلا لله . لأنه هو سبحانه المأمون علينا … على أن إبراهيم عليه السلام قال في رده : { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] . ومعنى ذلك أنه لن يكون وحده في الكون . لأنه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض … يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان … ومَنْ أكثرُ نضجاً في العقل ممن يُسلم وجهه لله سبحانه … لأنه يكون بذلك قد أسلمه إلى عزيز حكيم قوي لا يُقْهر ، قادر لا تنتهي قدرته … غالب لا يُغْلب ، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه . فكأنه أسلم وجهه للخير كله . والدين - عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلى يوم القيامة - هو إسلام الوجه لله ، ولماذا الوجه ؟ لأن الوجه أشرف شيء في الإنسان يعتز به ويعتبره سمة من سمات كرامته وعزته … ولذلك فنحن حين نريد منتهى الخضوع لله في الصلاة نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض … وهذا منتهى الخشوع والخضوع أن تضع أشرف ما فيك وهو وجهك على الأرض إعلاناً لخضوعك لله سبحانه وتعالى . والله جل جلاله يريد من الإنسان أن يسلم قيادته لله … بأن يجعل اختياراته في الدنيا لما يريده الله تبارك وتعالى … فإذا تحدث لا يكذب ، لأن الله يحب الصدق ، وإذا كُلِّفَ بشيء يفعله لأن التكليف في صالحنا ولا يستفيد الله منه شيئاً … وإذا قال الله تعالى تَصَدَّقْ بمالك أسرع يتصدق بماله لِيُرَدَّ له أضعافاً مضاعفة في الآخرة وبقدرة الله . وهكذا نرى أن الخير كله للإنسان هو أن يجعل مراداته في الحياة الدنيا طبقاً لما أراده الله … وفي هذه الحالة يكون قد انسجم مع الكون كله وتجد أن الكون يخدمه ويعطيه وهو سعيد . أما من يُسْلِمُ وجهه لغير الله فقد اعتمد على قوِيّ يمكن أن يَضْعُفَ ، وعلى غني يمكن أن يفتقر … وعلى موجود يمكن أن يموت ويصبح لا وجود له … ولذلك فهو في هذه الحالة يتصف بالسفاهة لأنه اعتمد على الضار وترك النافع .