Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 130-130)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما هي ملة إبراهيم ؟ إنها عبادة الله وحده لا شريك له وعشق التكاليف فإبراهيم وَفَّى كل ما كلفه به الله وزاد عليه … وقابل الابتلاء بالطاعة والصبر … فعندما ابتلاه الله بذبح ابنه الوحيد لم يتردد ، وكان يؤدي التكاليف بعشق ، ويحاول أن يستبقي المنهج السليم في ذريته . قوله تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ } [ البقرة : 130 ] يعني يعرض ويرفض . ويقال رغب في كذا أي أحبه وأراده . ورغب عن كذا أي صَدَّ عنه وأعرض … والذين يصدُّون عن ملة إبراهيم ويرفضونها هؤلاء هم السفهاء الجهلة ، لذلك قال عنهم الله سبحانه وتعالى : { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [ البقرة : 130 ] … دليل على ضعف الرأي وعدم التفرقة بين النافع والضار … فعندما يكون هناك من ورثوا مالاً وهم غير ناضجي العقل لا يتفق عقلهم مع سنهم نسميهم السفهاء … والسفيه هو من لم ينضج رأيه ولذلك تنقل قوامته على ماله إلى وَلِيٍّ أو وَصِيٍّ لأنه بِسَفَهِهِ غيرُ قادر على أن ينفق المال فيما ينفع … والقرآن الكريم يعالج هذه المسألة علاجاً دقيقا فيقول : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ النساء : 5 ] . نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى سمى أموال السفهاء بأموالي الولي ولم يعتبرها مال السفيه لأنه ليس أهلاً للقيام عليها … وجعل هذه الأموال تحت إشراف شخص آخر أكثر نضجاً وحكمة . وقوله تعالى : " أموالكم " ليكون الولي أو الوصي حريصاً عليها كَمَالِهِ أو أكثر ولكن هو قَيِّم فقط … فإذا بلغ الإنسان سن الرشد أو شُفِي السفيه من سفاهته يُرَد إليه ماله ليتصرف فيه . ونحن نرى عدداً من الأبناء يرفعون قضايا على آبائهم وأمهاتهم يتهمونهم فيها بالسفه لأنهم لا يحسنون التصرف في أموالهم … ثم يأخذون هذه الأموال ويبعثرونها هم … والذي يجب أن يعلمه كل مَنْ يقوم بهذه العملية أنه لا حق له في إنفاق المال وتبذيره لحسابه الخاص ، ولكنّ هناك حكمين : إما أن يكون الشخص فقيراً فله أن يأكل بالمعروف … وإما أن يكون غنياً فيجعل عمله في الولاية لله لا يتقاضى عنه شيئاً … أما أن يأخذ المال ويبعثره على نفسه وشهواته وعلى زوجته وأولاده فهذا مرفوض ويُحاسَبُ عليه … والله سبحانه وتعالى يقول : { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ … } [ النساء : 6 ] . إذن : الذي يعرض عن ملة إبراهيم هو سفيه ، لا يملك عقلاً يميز بين الضار والنافع . ويقول الله سبحانه وتعالى : { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ البقرة : 130 ] … اصطفاه في الدنيا بالمنهج ، وبأن جعله إماماً وبالابتلاء … وكثير من الناس يظن أن ارتفاع مقامات بعضهم في أمور الدنيا هو اصطفاء من الله لهم بأن أعطاهم زخرف الحياة الدنيا ، ويكون هذا مبرراً لأن يعتقدوا أن لهم منزلةً عالية في الآخرة … نقول لا ، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة . ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } [ البقرة : 130 ] … وأضاف : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ البقرة : 130 ] … لنعلم أن إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا ونعيم في الآخرة أي الاثنين معاً .