Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 135-135)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عندما تأتي - قالوا - فمعناها أن الذين قالوا جماعة … الذين قالوا هم اليهود والنصارى . ولكن كلا منهم قال قولاً مختلفاً عن الآخر … قالت اليهود كونوا هوداً . وقالت النصارى كونوا نصارى … ونحن عندنا عناصر ثلاثة : اليهود والنصارى والمشركون . ويقابل كل هؤلاء المؤمنون … { وَقَالُواْ كُونُواْ } [ البقرة : 135 ] من المقصود بالخطاب ؟ المؤمنين … أو قد يكون المعنى وقالت اليهود للمؤمنين والمشركين والنصارى كونوا هوداً … وقالت النصارى لليهود والمشركين والمؤمنين كونوا نصارى … لأن كل واحد منهما لا يرى الخير إلا في نفسه … ولكن الإسلام جاء وأخذ من اليهودية موسى وتوراته الصحيحة ، وأخذ من المسيحية عيسى وإنجيله الصحيح … وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . ومعنى ذلك أن الإسلام أخذ وحدة الصفقة الإيمانية المعقودة بين الله سبحانه وبين كل مؤمن … ولذلك تجد في القرآن الكريم قوله تعالى : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ … } [ البقرة : 285 ] . ونلاحظ أن المشركين لم يدخلوا في القول لأنهم ليسوا أهل كتاب . قوله تعالى : { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [ البقرة : 135 ] … أي رد عليهم ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنني سأكون تابعاً لدين إبراهيم وهو الحنيفية … وهم لا يمكن أن يخالفوا في إبراهيم فاليهود اعتبروه نبياً من أنبيائهم … والنصارى اعتبروه نبياً من أنبيائهم ولم ينفوا عنه النبوة ولكن كلا منهم أراد أن ينسبه لنفسه . ما معنى حنيفاً ؟ إن الاشتقاقات اللفظية لابد أن يكون لها علاقة بالمعنى اللغوي … الحنف ميل في القدمين أن تميل قدم إلى أخرى … هو تقوس في القدمين فتميل القدم اليمنى إلى اليسار أو اليسرى إلى اليمين هذا هو الحنف … ولكن كيف يؤتي بلفظ يدل على العوج ويجعله رمزاً للصراط المستقيم ؟ . لقد قلنا إن الرسل لا يأتون إلا عندما تعم الغفلة منهج الله … لأنه ما دام وجد من أتباع الرسول من يدعو إلى منهجه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يكون هناك خير . النفس البشرية لها ألوان … فهناك النفس اللوامة تصنع شراً مرة فيأتي من داخل النفس ما يستنكر هذا الشر فتعود إلى الخير … ولكن هناك النفس الأمارة بالسوء وهي التي لا تعيش إلا في الشر تأمر به وتغري الآخرين بفعله … إذا فسد المجتمع وأصبحت النفوس أمارة بالسوء ينطبق عليها قول الحق سبحانه : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ … } [ المائدة : 79 ] . تتدخل السماء برسول يعالج اعوجاج المجتمع … ولكن الله تبارك وتعالى وضع عنصر الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة . قال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 110 ] . إذن فقد ائتمن الله تبارك وتعالى أمة محمد على المنهج … وما دام فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلن يأتي رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم . نعود إلى قوله تعالى حنيفاً … قلنا إن الحنف هو الاعوجاج … ونقول إن الاعوجاج عن المعوج اعتدال … والرسل لا يأتون إلا بعد اعوجاج كامل في المجتمع … ليصرفوا الناس عن الاعوجاج القائم فيميلون إلى الاعتدال … لأن مخالفة الاعوجاج اعتدال … وقوله تعالى : " حنيفاً " تذكرنا بنعمة الله على الوجود كله لأنه يصحح غفلة البشر عن منهج الله ويأخذ الناس من الاعوجاج الموجود إلى الاعتدال … والهداية عند اليهود والنصارى مفهومها تحقيق شهوات نفوسهم لأن بشراً يهدي بشراً … والله سبحانه وتعالى قال : { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ … } [ البقرة : 120 ] . ولقد تعايش رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مع اليهود ولكنهم حاربوه ولم يرضوا عنه … وإبراهيم عليه السلام كان مؤمناً حقاً ولم يكن مشركاً …