Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 134-134)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : " خلت " أي انفردت . وخلا فلان بفلان أي انفرد به … وخلا المكان من نزيله أي أصبح المكان منفرداً ، والنزيل منفرداً ولا علاقة لأحدهما بالآخر … الله تبارك وتعالى يقول : { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ البقرة : 14 ] . أي انفردوا هم وشياطينهم ولم يعد في المكان غيرهم ولقد قلنا إن كل حدث لابد أن يكون له مُحْدِثٌ ، ولا حدث يوجد بذاته ، وكل حدث يحتاج إلى زمان ويحتاج إلى مكان … فإذا قال الحق تبارك وتعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } فمعناه إنه انقضى زمانها وانفرد عن زمانكم . والمقصود بقوله تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } [ البقرة : 134 ] أي انتهى زمانها … وتلك اسم إشارة لمؤنث مخاطب وأمة هي المشار إليه ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين … والله سبحانه وتعالى حين يقول : { تِلْكَ أُمَّةٌ } [ البقرة : 134 ] فكأنها مميزة بوحدة عقيدتها ووحدة إيمانها حتى أصبحت شيئاً واحداً … ولذلك لابد أن يخاطبها بالوحدة … واقرأ قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 92 ] . وتلك هنا إشارة لأمة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب … هم جماعة كثيرة لهم عقيدة واحدة . وقوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [ البقرة : 134 ] … أي تلك جماعة على دين واحد تُحاسب عما فعلته كما ستحاسبون أنتم على ما فعلتم … ولكن الله سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً … } [ النحل : 120 ] . وإبراهيم فرد وليس جماعة ؟ نقول : نعم إن إبراهيم فرد ، ولكن اجتمعت فيه من خصال الخير ومواهب الكمال ما لا يجتمع إلا في أمة . وقوله تعالى : { قَدْ خَلَتْ } [ البقرة : 134 ] يراد بها إفهام اليهود ألا ينسبوا أنفسهم إلى إبراهيم نسباً كاذباً لأن نسب الأنبياء ليس نسباً دموياً أو جنسياً أو انتماء … وإنما نسب منهج واتباع … فكأن الحق يقول لليهود لن ينفعكم أن تكونوا من سلالة إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب … لأن نسب النبوة هو نسب إيماني فيه اتباع للمنهج والعقيدة … ولا يشفع هذا النسب يوم القيامة لأن لكل واحد عمله . قوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [ البقرة : 134 ] … الكسب يؤخذ على الخير والاكتساب يؤخذ في الشر لأن الشر فيه افتعال . إننا لابد أن نلتفت ونتنبه إلى آيات القرآن الكريم ، حتى نستطيع أن نرد على أولئك الذين يحاولون الطعن في القرآن … فلا يوجد معنى لآية تهدمها آية أخرى ولكن يوجد عدم فَهْم . يأتي بعض المستشرقين ليقول هناك آية في القرآن تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يعطي بالأنساب وذلك في قوله جل جلاله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ … } [ الطور : 21 ] . الأبناء مؤمنون ، وقوله تعالى : " ألحقنا بهم ذريتهم " كلمة ألحقنا تأتي عندما تلحق ناقصاً بكامل … فإذا كان الاثنان مؤمنين فكأنك تزيد درجة الأبناء إكراماً لآبائهم المؤمنين … نقول إن الإيمان شيء والعمل بمقتضى الإيمان شيء آخر … الأب والذرية مؤمنون ولكن الآباء تفانوا في العمل والأبناء ربما قصروا قليلاً … ولكن هنا رفع درجة بالنسبة للمؤمنين ، أي لابد أن يكون الأب والذرية مؤمنين … ولكن غير المؤمنين مبعدون ليس لهم علاقة بآبائهم انقطعت الصلة بينهم بسبب الإيمان والكفر … فالآباء لهم أعمال حسنة كثيرة … والأبناء لهم أعمال حسنة أقل … ينزل الله الأبناء في الجنة مع آبائهم لأن الإيمان واحد . وقوله تعالى : " وما ألتناهم " أي أنقصناهم من عملهم من شيء … إذن فالآباء والذرية مأخوذون بإيمانهم ، والله بفضله يلحق الأبناء بالآباء . قوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [ البقرة : 134 ] … هذه عملية الإيمان في العقيدة … قد يقول البعض إن الله تبارك وتعالى يقول : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] . ويقول سبحانه : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] . فكيف يأخذ الأبناء جزاء بدون سعي ؟ نقول افهموا النصوص جيداً . قوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] تحدد العدل ولكنها لا تحدد الفضل الذي يعطيه الله سبحانه لمن شاء من عباده ، وهذا يعطي بلا حساب … ثم مَنْ الذي قال إن هذا ليس من سعيهم ؟ إن إلحاق الأبناء المؤمنين بالمنزلة العالية لآبائهم تكريم لعمل الآباء وليس زيادة لعمل الأبناء . ولقد روى لنا العلماء أن ولداً كان مؤمناً طائعاً عابداً وأبوه كان مسرفاً على نفسه … فلما مات الأب حزن عليه ابنه ، ولكنه رأى أن أباه جالس فوق رأسه ومعه واحدة من الحور العين تؤنسه … فتعجب الابن كيف ينال أبوه هذه المكافأة وقد كان مسرفاً على نفسه فسأله : كيف وصلت لهذه المنزلة ؟ فقال الأب أي منزلة … قال الابن أن تكون معك واحدة من الحور العين … فقال الأب وهل فهمت أنها نعيم لي … قال الابن نعم … فقال الأب : لا ، أنا عقوبة لها … الله سبحانه وتعالى يقول : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] . إذن أنت في الآخرة ستفرح بفضل الله ورحمته أكثر من فرحك بعملك الصالح … مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يُدْخِلَ الجنة أحداً عَمَلُه ، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته " ربما يأتي أحد ويقول الصلاة على الميت ما هو القصد الشرعي منها . . إن كانت تفيده فستكون الفائدة زيادة على عمله … وإن لم تكن تعطيه أكثر من عمله فما فائدتها ؟ . نقول ما دام الشرع كلفنا بها فلها فائدة . وهل تظن أن الصلاة على الميت ليست من عمله ؟ هي داخلة في عمله لأنه مؤمن وإيمانه هو الذي دفعك للصلاة عليه … والذي تدعو له بالخير وبالرحمة وبالمغفرة ويتقبلها الله … أيقال إنه أخذ غير عمله ؟ لا إنك لم تدع له إلا بعد أن أصابك الخير منه … ولكنك لا تدعو مثلاً لإنسان أخذ بيدك إلى خمارة أو إلى فاحشة أو إلى منكر … بل تدعو لمن أعطاك خيراً فإن استجاب الله لك فهو من عمله . الله سبحانه وتعالى يقول إن ما كان يعمله من سبقكم من الأمم لا تُسْأَلون عنه … وإن كنتم تَدَّعون إن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً نقول لكم أنتم لن تُسْألوا عما كان يعمل إبراهيم ولكن عليكم أنفسكم … السؤال يكون عن عملكم .