Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 14-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهكذا يرينا الحق سبحانه ، أن كل منافق له أكثر من حياة يحرص عليها ، والحياة لكي تستقيم يجب أن تكون حياة واحدة منسجمة مع بعضها البعض ، ولكن انظر إلى هؤلاء … مع المؤمنين يقولون آمنا ، ويتخذون حياة الإيمان ظاهراً ، أي أنهم يمثلون حياة الإيمان ، كما يقوم الممثل على المسرح بتمثيل دور شخصية غير شخصيته تماماً … حياتهم كلها افتعال وتناقض ، فإذا بعدوا عن الذين آمنوا ، يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } [ البقرة : 14 ] . وانظر إلى دقة الأداء القرآني ، فالشيطان هو الدس الخفي ، الحق ظاهر وواضح أما منهج الشيطان وتآمره فيحدث في الخفاء لأنه باطل . والنفس لا تخجل من حق أبداً ، ولكنها تخشى وتخاف وتحاول أن تخفي الباطل . ولنضرب لذلك مثلا بسيطاً ، رجل يجلس مع زوجته في منزله ، وطرق الباب طارقُ ، ماذا يحدث ؟ يقوم الرجل بكل اطمئنان ، ويفتح الباب ليرى مَنْ الطارق ، فإن وجده صديقاً أو قريباً أكرمه ورحب به وأصرَّ على أن يدخل ليضيفه . وتقوم الزوجة بإعداد الطعام أو الشراب الذي سيقدم للضيف ، نأخذ هذه الحالة نفسها إذا كان الإنسان مع زوجة غيره في شقته وطرق الباب طارق ، يحدث ارتباك عنيف ، ويبحث الرجل عن مكان يخفي فيه المرأة التي معه ، أو يبحث عن باب خفي ليخرجها منه ، أو يحاول أن يطفئ الأنوار ويمنع الأصوات لعل الطارق يحس بأنه لا يوجد أحد في المكان فينصرف ، وقبل أن يُخْرِجَ تلك المرأة المحرمة عليه ، فإنه يفتح الباب بحرص ، وينظر يميناً ويساراً ليتأكد هل يراه أحد ، وعندما لا يجد أحداً يسرع بدفع المرأة إلى الخارج ، لأنها إثم يريد أن يتخلص منه ، وإذا نزل ليوصلها يمشي بعيداً عنها ، ويظل يرقب الطريق ، ليتأكد من أن أحداً لم يره ، وعندما يركبان السيارة ينطلقان بأقصى سرعة . هذا هو الفرق بين منهج الإيمان ، ومنهج الشيطان ، الحادثة واحدة ، ولكن الذي اختلف هو الحلال والحرام . انظر كيف يتصرف الناس في الحلال … في النور … في الأمان ، وكيف يتصرفون في الحرام ومنهج الشيطان في الظلام وفي الخفية ويحرصون على ألا يراهم أحد ، ومن هنا تأتي دقة التعبير القرآني … { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } [ البقرة : 14 ] . إن منهج الشيطان يحتاج إلى خلوة ، إلى مكان لا يراك فيه أحد ، ولا يسمعك فيه أحد ، لأن العلن في منهج الشيطان يكون فضيحة ، ولذلك تجد غير المستقيم يحاول جاهداً أن يستر حركته في عدم الاستقامة ، ومحاولته أن يستتر هي شهادة منه بأن ما يفعله جريمة وقبح ، ولا يصح أن يعلمه أحد عنه ، وما دام لا يصح أن يراه أحد في مكان ما ، فاعلم أنه يحس بأن ما يفعله في هذا المكان هو من عمل الشيطان الذي لا يقره الله ، ولا يرضى عنه . ولابد أن نعلم أن القيم ، هي القيم حتى عند المنحرف ، وقوله تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا } [ البقرة : 14 ] معناها أنهم عندما يتظاهرون بالإيمان يأخذون جانب العلن ، بل ربما افتعلوه ، وكان المفروض أن يكون المقابل عندما يخلون إلى شياطينهم أن يقولوا : لم نؤمن . وهناك في اللغة جملة اسمية وجملة فعلية ، الجملة الفعلية ، تدل على التجدد ، والجملة الاسمية تدل على الثبات ، فالمنافقون مع المؤمنين يقولون : آمنا ، فإيمانهم غير ثابت ، متذبذب ، وعندما يلقون الكافرين ، لو قالوا لم نؤمن ، لأخذت صفة الثبات ، ولكنهم في الفترة بين لقائهم بالمؤمنين ، ولقائهم بالكافرين ، الكفر متجدد ، لذلك قالوا : { إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ البقرة : 14 ] .