Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن هؤلاء المنافقين قوم لا حول لهم ولا قوة ، ولكن الله سبحانه وتعالى ، وهو القادر القوي حينما يستهزىء بهم يكون الاستهزاء أليماً ، وإذا كان المنافق ، قد أظهر بلسانه ما ليس في قلبه ، فإن الله سبحانه وتعالى يعامله بمثل فعله ، فإذا كان له ظاهر وباطن ، يعامله في ظاهر الدنيا معاملة المسلمين ، وفي الآخرة يوم تبلى السرائر يجعله في الدرك الأسفل من النار ، لا يُساويه بالكافر لأن ذنب المنافق أشد . { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] والاستهزاء هو السخرية ، فهم يأتون يوم القيامة محاولين أن يتمسكوا بالظاهر ، فيظهر الله سبحانه وتعالى لهم باطنهم . والحق سبحانه وتعالى يقول : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] . والهمزة هو الذي يسخر من الناس ولو بالإشارة . يرى إنساناً مصاباً بعاهة في قدمه ، يمشي وهو يعرج فيحاول أن يقلده بطريقة تثير السخرية ، إما بالإشارة وإما بالكلام ، وهناك همز وهمزة … الهمز الاستهزاء والسخرية من الناس ، علامة عدم الإيمان ، لأننا كلنا خَلَقنا إله واحد ، فهذه الصفة التي سخرت فيها من إنسان أعرج مثلاً ، لا عمل له فيها ، ولا حول له ولا قوة … والإنسان لم يصنع نفسه ، والحقيقة أنك تسخر من صنع الله ، والذي يسخر من خلق الله إنسان غبي لأنه سخر من خلق الله في عيب ، ولم يقدِّر ما تفضل الله به عليه ، كما أنه سخر من عيب ولم يفطن إلى أن الحق سبحانه وتعالى قد أعطى ذلك الإنسان خصالاً ومميزات ربما لم يعطها له ، والله سبحانه وتعالى يقول : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ … } [ الحجرات : 11 ] . إن مجموع كل إنسان يساوي مجموع كل إنسان آخر ، وذلك هو عدل الله ، فإذا كنت أحسن من إنسان في شيء فابحث عن النقص فيك . فإن استهزأت بمؤمن في شيء ، فالاستهزاء غير مفصول عن صنعة الله ، إذن فمن المنطق عندما قالوا : { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ البقرة : 15 ] أن يرد الله عليهم { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ البقرة : 15 ] أي : يزيدهم في هذا الطغيان ، لأن المدَّ هو أن تزيد الشيء ، ولكن مرة تزيد في الشيء من ذاته ، ومرة تزيد عليه من غيره ، قد تأتي بخيط وتفرده إلى آخره ، وقد تصله بخيط آخر ، فتكون مددته من غيره ، فالله يزيدهم في طغيانهم . وقوله تعالى " يعمهون " العمه يختلف عن العمى ، والخلاف في الحرف الأخير ، العمى عمى البصر ، والعمه عمى البصيرة ، ويعمهون أي يتخبطون ، لأن العمه ينشأ عنه التخبط سواء التخبط الحسي ، من عمى البصر ، أو التخبط في القيم ومنهج الحياة من عمى البصيرة . والله تعالى يقول : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] فكأنما العمى المادي ، قد لا يكون ، ولكن يكون هناك عمى البصيرة ، واقرأ قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } [ طه : 125 - 126 ] . فكأن عمى البصيرة في الدنيا ، يعمي بصر الإنسان ، عن رؤية آيات الله في كونه ، ويعميه عن الإيمان والمنهج .