Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 150-150)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق تبارك وتعالى يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوجه هو والمسلمون إلى المسجد الحرام … سواء كانوا في المدينة أو في خارج المدينة أو في أي مكان على الأرض … وتلك هي قبلتهم في كل صلاة بصرف النظر عن المكان الذي يصلون فيه . وقوله تعالى : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } [ البقرة : 150 ] … الناس هنا المقصود بهم المنافقون واليهود والنصارى … حجة في ماذا ؟ لأن المسلمين كانوا يتجهون إلى بيت المقدس فاتجهوا إلى المسجد الحرام … وليس لبيت المقدس قدسية في ذاته ولا للمسجد الحرام قدسية في ذاته كما قلنا … ولكن نحن نطيع الأمر من الآمر الأعلى وهو الله … إن الله تبارك وتعالى أطلق على المنافقين واليهود والنصارى كلمة ظلموا ووصفهم بأنهم الذين ظلموا … فمن هو الظالم ؟ الظالم هو من ينكر الحق أو يغير وجهته . أو ينقل الحق إلى باطل والباطل إلى حق … والظلم هو تجاوز الحد وكأنه سبحانه وصفهم بأنهم قد تجاوزوا الحق وأنكروه ، يقول سبحانه : { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } [ البقرة : 150 ] أي لا تخشوا الذين ظلموا : { وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ البقرة : 150 ] … أي أن الخشية لله وحده والمؤمن لا يخشى بشراً … لأنه يعلم أن القوة لله جميعاً … ولذلك فإنه يقدم على كل عمل بقلب لا يهاب أحداً إلا الحق . وقوله سبحانه : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ البقرة : 150 ] … تمام النعمة هو الإيمان . وتمام النعمة هو تنفيذ مطلوبات الإيمان … فإذا هدانا الله للإيمان فهذا من تمام نعمه علينا . ولكي يكونُ الإيمان صحيحاً ومقبولاً فلابد أن أؤدي مطالبه والمداومة على تنفيذ تكليفات الله لنا ، فلا نجعل التكليف ينقطع . لأن التكليف نعمة بغيرها لا تصلح حياتنا ولا تتوالى نعم التكليف من الله سبحانه وتعالى إلا إذا أقبلنا على منهج الله بعشق … وأنت حينما تأتي إلى المنهج قد يكون شاقاً ، ولكن إذا تذكرت ثواب كل طاعة فإنك ستخشع وتعشق التكليف … لأنك تعرف العمل الصالح بثوابه ، والعمل في المعصية بعقابه … ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 45 - 46 ] . إذن الخاشعون هم الذين يقرنون الطاعة بالثواب والمعصية بالعقاب والعذاب ، لأن الذي ينصرف عن الطاعة لمشقتها عزل الطاعة عن الثواب فأصبحت ثقيلة ، والذي يذهب إلى المعصية عزل المعصية عن العقاب فأصبحت سهلة … فمن تمام النعمة أن يديم الله علينا فعل مطلوبات الإيمان … ولذلك في حجة الوداع نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً … } [ المائدة : 3 ] . وكان ذلك إخباراً بتمام رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الأحكام التكليفية قد انتهت … ولكن الذين يستثقلون التكليف تجدهم يقولون لك لقد عم الفساد والله لا يكلف نفساً إلا وسعها … كأنه يحكم بأن هذا في وسعه وهذا ليس في وسعه وعلى ضوئه يأخذ التكليف … نقول له أَكَلَّفَ الله أم لم يُكلِّف ، إن كان قد كَلّف فيكون التكليف في وسعك … لأنه سبحانه حين يجد مشقة يأمر بالتخفيف مثل إباحة قصر الصلاة للمسافر وإباحة الإفطار في رمضان للمريض والمسافر فهو سبحانه قد حدد ما في وسعك . قوله تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ البقرة : 150 ] … الهداية هي الطريق المستقيم الموصل إلى الغاية وهو أقصر الطرق ، وغاية هذه الحياة هي أن نصل إلى نعيم الآخرة … الله أعطاك في الدنيا الأسباب لتحكم حركة حياتك ولكن هذه ليست غاية الحياة … بل الغاية أن نذهب إلى حياة بلا أسباب وهذه هي عظمة قدرة الله سبحانه وتعالى … والله جل جلاله يأتي ليعلمنا في الآخرة أنه خلقنا لنعيش في الدنيا بالأسباب وفي الآخرة لنعيش في كنفه بلا أسباب . إذن : قوله تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ البقرة : 150 ] … أي لعلكم تنتبهون وتعرفون الغاية المطلوبة منكم … ولا يظن أحدكم أن الحياة الدنيا هي الغاية أو هي النهاية أو هي الهدف … فيعمل من أجل الدنيا فيأخذ منها ما يستطيع حلالاً أو حراماً باعتبارها المتعة الوحيدة المخلوقة له … نقول لا ، إنه في هذه الحالة يكون قد ضل ولم يهتد لأنه لو اهتدى لعرف أن الحياة الحقيقية للإنسان هي في الآخرة . ولعرف أن نعيم الآخرة الذي لا تفوته ولا يفوتك … يجب أن يكون هدفنا في الحياة الدنيا فنعمل ما نستطيع لنصل إلى النعيم بلا أسباب في الجنة .