Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 162-162)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وساعة يأتي الحق في عذاب الكافرين ويتكلم عن النار عذاباً وعن الزمان خلوداً ثم يُصَعِّد الخلود بالأبدية ، فنحن نعرف بذلك أن هناك عذاباً في النار ، وخلوداً فيها ، وأبدية . ولأن رحمة الله سبقت غضبه في التقنين العذابي ، لم يذكر الخلود في النار أبداً إلا في سورة الجن ، قال : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [ الجن : 23 ] . وما دام فيه مقيد ، فإن كل مطلق من التأبيد يُحمل عليه ، وكون الحق لم يأت بكلمة " أبداً " عند ذكر العذاب ، فهذا دليل على أن رحمته سبقت غضبه حتى في تقنين العذاب ، وهناك إشكال يَرِدُ في سطحية الفهم فحين يقول الحق : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 105 - 108 ] . فإن الحق يتحدث عن يوم الحشر ، وعن البشر شقيهم وسعيدهم ، فالذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ، ولنا أن نتخيل صورة التنفس داخل النار وسط جوها المكفهر باللهب . إن الإنسان يتنفس ليستروح بالهواء فكيف يأخذه من النار ؟ . إن في ذلك عذاباً عظيماً . وأهل النار خالدون فيها ما دامت السماوات والأرض . ويتساءل السطحيون " إن الله يضع الذين شقوا في النار ما دامت السماوات والأرض ، ويقول القول نفسه عن الذين سعدوا بالجنة " ونقول لهم : السماوات والأرض الآن تختلف عن السماوات والأرض في الآخرة ، إن السماوات والأرض في الدنيا هي أسباب ومعاش ، أما في الآخرة فنحن لا نأكل بالأسباب ، إنما بالمسبب ، نحن نحيا في الآخرة بكلمة " كن " ، ولا نعيش بأسباب الحرث والزرع والمطر . إن الحق يبدل السماوات والأرض في اليوم الآخر ، واقرأ إن شئت قول الحق : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ … } [ إبراهيم : 48 ] . ومن هذا القول نفهم أن المقصود هو السماوات والأرض المبدلة . ونلحظ أن الحق جاء في أمر خلود الأشقياء بالمشيئة فقال : " إلا ما شاء ربك " ، فكأن خلود الأشقياء في النار تنقضه وتضع نهاية له مشيئة الله لأن الأشقياء ليسوا هم الكفار فحسب ، بل منهم بعض المؤمنين العصاة ، وهؤلاء المؤمنون العصاة الأشقياء سيدخلون النار على قدر حظهم من المعاصي ، وساعة تقوم الساعة ويأتي الجزاء يدخلون النار ويأخذون جزاءهم ، لكن بعد أخذ الجزاء يخرجون ، إذن ، فسينتهي الخلود من آخر الزمن ، فيكون المعنى : " إلا ما شاء ربك " أن يستمروا في النار إلى وقت محدد . أما بالنسبة للجنة . فالاستثناء يكون من البدء ، لماذا ؟ لأن المؤمن الذي عصى الله لن يدخل الجنة من البداية ، وإنما سيقضي فترة في النار ثم يدخل الجنة ، إذن فالخلود في الجنة بالنسبة له قد نَقَصَ من أوليته . أما الشقي فالخلود في النار نقص من آخريته ، إذن " إلا ما شاء ربك " تعني أن المؤمن العاصي لن يدخل الجنة من بدء الآخرة : إذن " إلا " هنا جاء لاستثناء الزمن من أوله بالنسبة للسعداء ، أو استثناء الزمن من آخره بالنسبة للعصاة الأشقياء ، ولذلك لا تجد تناقضاً ، ذلك التناقض الذي تصنعه سطحية الفهم . أما قوله الحق : { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } [ البقرة : 162 ] فهو أن الإنسان عندما يُعذب بشيء فإن تكرار العذاب عليه ربما يجعله يألف العذاب ، لكن الواقع يقول : إن العذاب يشتد عليه ، فالتخفيف لا علاقة له بالزمن ، وقوله الحق : { وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } [ البقرة : 162 ] نعرف منه أن الإنظار هو الإمهال ، والمعنى أنهم لا يؤخرون عن عذابهم أو لا ينظرون بمعنى لا يُنظر إليهم . وهناك آية تفيد هذا المعنى في قوله تعالى : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ … } [ آل عمران : 77 ] . لأن النظر يعطي شيئاً من الحنان ، ولماذا قال : لا يُنْظرون ؟ . لأنك قد تتجه ناحيته فتنظره دون قصد ، بتلقائية ، ولكن النظرة لا تتجه عطفاً عليه ، وهو سبحانه لا ينظر إليهم أساساً ، لأن النظرة قد توحي بلون من الشفقة ، بذلك تكون لا يُنظرون ، أي لا يُنظر إليهم أبداً ، فكأنهم أهملوا إهمالاً تاماً . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } .