Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعطينا الحق سبحانه وتعالى صفة أخرى من صفات المنافقين ، فيصفهم بأنهم الذين اشتروا الضلالة بالهدى . وما دام هناك شراء ، فهناك صفقة ، والصفقة تتطلب مشترياً وبائعاً ، وقد كانت السلعة في الماضي تشترى بسلعة أخرى ، أما الآن فإن كل شيء يشترى بالمال ، ماذا اشتروا ؟ إن هؤلاء المنافقين اشتروا الضلالة ، واشتروها بأي ثمن ؟ ! … اشتروها بالهدى ! الباء في اللغة تدخل على المتروك ، عندما تشتري شيئا تترك ثمنه ، إذن : كأن هؤلاء قد تركوا الهدى واشتروا الضلالة ، ولكن هل كان معهم هدى ساعة الصفقة ؟ ! إن الحال يقتضي أن يكون معهم هدى ، كأن يهتدي إنسان ثم يجد أن الهدى لا يحقق له النفع الدنيوي الذي يطلبه فيتركه ليشتري به الضلال ليحقق به ما يريد ، والهدى الذي كان معهم ، قد يكون هدى الفطرة ، فكأن هؤلاء كان يمكنهم أن يختاروا الهدى فاختاروا الضلالة . والله سبحانه وتعالى يهدي كل الناس ، هدى دلالة ، فمَنْ اختار الهدى يزيده هُدًى واقرأ قوله تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ … } [ فصلت : 17 ] . وقول الحق { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } التجارة بيع وشراء ، الشاري مستهلك ، والبائع قد يكون منتجاً ، أو وسيطاً بين المنتج والمستهلك . ما حظ البائع من البيع والشراء ؟ أن يكسب فإذا ما كسب قيل ربحت تجارته . وإذا لم يكسب ولم يخسر ، أو إذا خسر ولم يكسب ، ففي الحالين لا يحقق ربحاً ، ونقول : ما ربحت تجارته . فقوله تعالى { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [ البقرة : 16 ] يدل على أنهم خسروا كل شيء لأنهم لم يربحوا ، فكأنهم لم يحققوا شيئاً له فائدة ، وخسروا الهدى ، أي : خسروا الربح ورأس المال . ما ربحت تجارتهم ، ربما يكونون لم يكسبوا ولم يخسروا ، ولكن هم قدموا الهدى ثمناً للضلال فلم يربحوا وضاع منهم الهدى ، أي : رأس مالهم . ونفسية المنافق إذا أردت أن تحددها ، فهو إنسان بلا كرامة ، بلا رجولة لا يستطيع المواجهة ، بلا قوة ، يحاول أن يمكر في الخفاء ، ولذلك تكون صورته حقيرة أمام نفسه ، حتى لو استطاع أن يخفي عيوبه عن الناس ، فيكفي أنه كاذب أمام نفسه لتكون صورته حقيرة أمام نفسه ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ إذا أنا لـــمْ آتِ الدنيّةَ خشــيةً مِن الناسِ كان الناسُ أكرمَ من نفسِي كفى المرءُ عاراً أن يرى عيبَ نفسه وإن كان في كِنٍّ عن الجـنَ والأنـسِ @@ فالمهم رأيك في نفسك … والتمزق الذي عند المنافق أنه يريد أن يخفي عيوبه عن الناس .