Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 193-193)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وعرفنا أن الفتنة ابتلاء واختبار والحق يقول : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . إن الحق يختبر الإيمان بالفتنة ، ويرى الذين يُعلنون الإيمان هل يصبرون على ما فيه من ابتلاءات أم لا ؟ فلو كان دخول الإسلام لا يترتب عليه دخول في حرب أو قتال ولا يترتب عليه استشهاد بعض المؤمنين لكان الأمر مغرياً لكثير من الناس بالدخول في الإسلام ، لكن الله جعل لهم الفتنة في أن يُهزَموا ويُقتل منهم عدد من الشهداء ، وذلك حتى لا يدخل الدين إلا الصفوة التي تحمل كرامة الدعوة ، وتتولى حماية الأرض من الفساد ، فلا بد أن يكون المؤمنين هم خلاصة الناس . لذلك قال سبحانه : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ البقرة : 193 ] . معنى أن يكون الدين لله ، أي تخرجوهم من ديانة أنفسهم أو من الديانات التي فرضها الطغيان عليهم ، وعندما نأخذهم من ديانات الطغيان ، ومن الديانات التي زينها الناس إلى ديانات الخالق فهذه مسألة حسنة بالنسبة لهم ، وتلك مهمة سامية . كأنك بهذه المهمة السامية تريد أن ترشد العقل الإنساني وتصرفه وتمنعه من أن يَديِنَ لمساو له إلى أن يدين لمن خلقه . وعلى صاحب مثل هذا العقل أن يشكر مَنْ يوجهه إلى هذا الصواب . ولذلك يُجلى الحق سبحانه وتعالى هذه الحقيقة فيقول على لسان الرسول : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] . فكأننا لو نظرنا إلى عمل الرسول بالنسبة إلينا بمنظار الاقتصاد لوجب أن يكون له أجر ، لأنه يقدم المنفعة لنا ، وبرغم ما قدمه من منفعة فهو لا يأخذ أجراً لأنه زاهد في الأجر فإنه يعلم أن الأجر من المساوي له قليل مهما عظم وهو يريد الأجر ممن خلقه ، وهذا طمع في الأعلى لأنه لا يعطي الأجر على الإيمان إلا الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي يعطي بلا حدود . ويختتم الحق هذه الآية الكريمة بقوله : { فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 193 ] . أي أنهم إذا انتهوا إلى عدم قتالكم ، فأنتم لن تعتدوا عليهم ، بل ستردون عدوان الظالم منهم . والظالم حين يعتدي يظن أنه لن يقدر عليه أحد ، والحق يطلب منا أن نقول له : بل نقدر عليك ، ونعتدي عليك بمثل ما اعتديت علينا . ويعطينا الحق حيثية ذلك فيقول : { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ … } .