Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 194-194)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمقصود هو أنه إذا ما قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في الشهر الحرام ، فإذا ما اعتدوا على حرمة زمان فالقصاص يكون في زمان مثله ، وإن اعتدوا في حرمة مكان يكن القصاص بحرمة مكان مثله ، وإذا كان الاعتداء بحرمة إحرام ، يكون الرد بحرمة إحرام مثله لأن القصاص هو أن تأخذ للمظلوم مثل ما فعل الظالم . إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يخفف وقع الأمر على المؤمنين الذين رُدوا عام الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة وأعادهم المشركون إلى المدينة ، فاقتص الله منهم بأن أعادهم في ذي القعدة في العام القادم في السنة السابعة من الهجرة ، فإن كانوا قد مُنعوا في الشهر الحرام فقد أراد الله أن يعودوا لزيارة البيت في الشهر الحرام في الزمان نفسه . وقوله الحق : { وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } [ البقرة : 194 ] يقتضي منا أن نسأل : كيف يكون ذلك ؟ وما هو الشيء الحرام ؟ إن الشيء الحرام هو ما يُحظر هتكه ، والشيء الحلال هو المُطلق والمأذون فيه . فهل يعني ذلك أن الذي يقوم بعمل حرام نقتص منه بعمل مماثل ؟ هل إذا زنى رجل بامرأة نقول له نقتص منك بالزنى فيك ؟ لا ، إن القصاص في الحرمات لا يكون إلا في المأذون به وكذلك إذا سرق مني إنسان مالاً وليس لدي بينة ، لكني مقتنع بأنه هو الذي سرق هل أقتص منه بأن أسرق منه ؟ لا ، إن القصاص إنما يكون في الأمر المعروف الواضح ، أما الأمر المختفي فلا يمكن أن نقتص منه بمثل ما فعل . لكن هب أن أحد الأقارب ممَّنْ تجب نفقتهم عليك وامتنعت أنت عن النفقة على هذا الإنسان ، وهذا أمر محرم عليك ، وما دام الأمر علنياً فله أن يأخذ من مالك فيأكل وتكون المسألة قصاصاً . وهب أن زوجتك تشتكي من بخلك وتقصيرك ، كما " اشتكت هند زوجة أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بخل زوجها فقال لها : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك " . ومثال آخر ، هب أن ضيفاً بمنزلك ورفضت أن تكرمه ، وانتهز فرصة بعدك عن المكان الذي يجلس فيه ثم تناول شيئاً وأكله . لا يكون تعدياً عليك ما لم يكن داخلاً في محرم آخر ، وبعد ذلك يترك الحق لولي الأمر تنظيم هذه الأمور حتى لا تصير المسائل إلى الفوضى . وقوله الحق : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] يدعونا إلى اليقظة حتى لا يخدعنا أحد ويدَّعي الإيمان وهو يريد الانتقام . ويجب أن نتمثل قول الشاعر : @ إن عـادت العقـرب عـدنا لهـا وكـانـت النـعـل لهـا حـاضرة @@ ويختم الحق الآية الكريمة بقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 194 ] أي لا تظنوا أن الله ملّكَكُم فيهم شيئاً ، بل أنتم وهم مملوكون جميعاً لله . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ … } .