Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 206-206)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولا يقال له اتق الله إلا إذا كان قد عرف أنه منافق ، وما داموا قد قالوا له ذلك فهذا دليل على أن فطنتهم لم يجز عليها هذا النفاق . ونفهم من هذه الآية أن المؤمن كَيِّس فطن ، ولابد أن ينظر إلى الأشياء بمعيار اليقظة العقلية ، ولا يدع نفسه لمجرد الصفاء الرباني ليعطيه القضية ، بل يريد الله أن يكون لكل مؤمن ذاتية وكياسة . { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } [ البقرة : 206 ] فكأن المظهر الذي يقول أو يفعل به ، ينافي التقوى لأنه قول معجب لا ينسجم مع باطن غير معجب ، صحيح أنه يصلي في الصف الأول ، ويتحمس لقضايا الدين ، ويقول القول الجميل الذي يعجب النبي صلى الله عليه وسلم ويعجب المؤمنين ، لكنه سلوك وقول صادر عن نية فاسدة . ومعنى " اتق الله " أي ليكن ظاهرك موافقاً لباطنك ، فلا يكفي أن تقول قولاً يُعجب ، ولا يكفي أن تفعل فعلاً يروق الغير لأن الله يحب أن يكون القول منسجماً مع الفعل ، وأن يكون فعل الجوارح منسجماً مع نيات القلب . إذن ، فالمؤمن لابد وأن تكون عنده فطنة ، وذكاء ، وألْمعِيَّة ، ويرى تصرفات المقابل ، فلا يأخذ بظاهر الأمر . ولا بمعسول القول ولا بالفعل ، إن لم يصادف فيه انسجام فعل مع انسجام نية . ولا يكتفي بأن يعرف ذلك وإنما لابد أن يقول للمنافق حقيقة ما يراه حتى يقصر على المنافق أمد النفاق ، لأنه عندما يقول له : " اتق الله " يفهم المنافق أن نفاقه قد انكشف ، ولعله بعد ذلك يرتدع عن النفاق ، وفي ذلك رحمة من المؤمن بالمنافق . وكل مَنْ يرى ويلمح بذكائه نفاقاً من أحد هنا يقول له : " اتق الله " فالمراد أن يفضح نفاقه ويقول له : " اتق الله " . فإذا قال له واحد : " اتق الله " وقال له آخر : " اتق الله " ، وثالث ، ورابع ، فسيعرف تماماً أن نفاقه قد انكشف ، ولم يعد كلامه يعجب الناس . { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [ البقرة : 206 ] ، وتقييد العزة بالإثم هنا يفيد أن العزة قد تكون بغير إثم ، وما دام الله قد قال : { أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [ البقرة : 206 ] ، فهناك إذن عزة بغير إثم . نعم ، لأن العزة مطلوبة للمؤمن والله عز وجل حكم بالعزة لنفسه وللرسول وللمؤمنين : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين … } [ المنافقون : 8 ] . وهذه عزة بالحق وليست بالإثم . وما الفرق بين العزة بالحق وبين العزة بالإثم ؟ ولنستعرض القرآن الكريم لنعرف الفرق . ألم يقل سحرة فرعون : فيما حكاه الله عنهم : { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الشعراء : 44 ] . هذه عزة بالإثم والكذب . وكذلك قوله تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ ص : 2 ] . وهي عزة كاذبة أيضاً أما قوله عز وجل : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 180 ] . فتلك هي العزة الحقيقة ، إذن فالعزة هي القوة التي تَغْلِبُ ، ولا يَغْلِبها أحد . أما العزة بالإثم فهي أنفة الكبرياء المقرونة بالذنب والمعصية . والحق سبحانه وتعالى يقول لكل من يريد هذا اللون من العزة بالإثم : إن كانت عندك عزة فلن يقوى عليك أحد ، ولكن يا سحرة فرعون يا من قلتم بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ، أنتم الذين خررتم سجداً لموسى وقلتم : { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [ الشعراء : 47 - 48 ] . ولم تنفعكم عزة فرعون لأنها عزة بالإثم ، لقد جاءت العزة بالحق فغلبت العزة بالإثم . لذلك يبين لنا الحق سبحانه وتعالى أن العزة حتى لا تكون بالإثم ، يجب أن تكون على الكافر بالله ، وتكون ذلة على المؤمن بالله . { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ … } [ المائدة : 54 ] . وكذلك قوله الحق : { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ … } [ الفتح : 29 ] . وهذا دليل العزة بالحق ، وعلامتها أنها ساعة تغلب تكون في منتهى الانكسار ، ولنا القدوة في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي خرج من مكة لأنه لم يستطع أن يحمي الضعفاء من المؤمنين ، وبعد ذلك يعود إلى مكة فاتحاً بنصر الله ، ويدخل مكة ورأسه ينحني من التواضع لله حتى يكاد أن يمس قربوس سرج دابته ، تلك هي القوة ، وهي على عكس العزة بالإثم التي إن علت تطغى ، إنما العزة بالحق إن غلبت تتواضع . { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [ البقرة : 206 ] أي أن الأنفة والكبرياء مقرونة بالإِثم ، والإثم هو المخالف للمأمور به من الحق سبحانه وتعالى ، { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ البقرة : 206 ] . أي عزة هذه التي تقود في النهاية إلى النار ؟ إنها ليست عزة ، ولكنها ذلة ، فلا خير في عمل بعده النار ، ولا شر في عمل بعده الجنة . فإن أردت أن تكون عزيزاً فتأمل عاقبتك وإلى أين ستذهب ؟ " فحسبه " أي يكفيه هذا فضيحة لعزته بالإثم ، وأما كلمة " مهاد " فمعناها شيء ممهد ومُوطأ ، أي مريح في الجلوس والسير والإقامة . ولذلك يسمونه فراش الطفل المهد . وهل المهاد بهذه الصورة يناسب العذاب ؟ نعم يناسبه تماماً لأن الذي يجلس في المهاد لا إرادة له في أن يخرج منه ، كالطفل فلا قوة له في أن يغادر فراشه . إذن فهو قد فقد إرادته وسيطرته على أبعاضه . فإن كان المهاد بهذه الصورة في النار فهو بئس المهاد هذا لون من الناس وفي المقابل يعطينا - سبحانه - لوناً آخر من الناس فيقول سبحانه : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ … } .