Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 218-218)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الآية قد عددت ثلاثة أصناف : الصنف الأول هم الذين آمنوا ، والصنف الثاني هم الذين هاجروا ، والصنف الثالث هم الذين جاهدوا . إن الذين آمنوا إيماناً خالصاً لوجه الله ، وهاجروا لنصرة الدين ، وجاهدوا من أجل أن تعلو كلمة الإسلام هؤلاء قد فعلوا كل ذلك وهم يرجون رحمة الله . ولقائل أن يقول : أليست الرحمة مسألة متيقنة عندهم ؟ ونقول : ليس للعبد عند الله أمر متيقن لأنك قد لا تفطن إلى بعض ذنوبك التي لم تُحسن التوبة منها ، ولا التوبة عنها . وعليك أن تضع ذلك في بالك دائماً ، وأن تتيقن من استحضار نية الإخلاص لله في كل عمل تقوم به فقد تحدثك نفسك بشيء قد يفسد عليك عملك ، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وسيد الموصولين بربهم يقول : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يُرفع ودعاء لا يُسمع " . إن الرسول الكريم وهو سيد المحتسبين في كل أعماله يعلمنا أن النفس قد تخالط صاحبها بشيء يفسد الطاعة . وعلى المسلم أن يظل في محل الرجاء . والمؤمن الذي يثق في ربه لا يقول : إن على الله واجباً أن يعمل لي كذا لأن أصل عبادتك لله سبق أن دُفع ثمنها ، وما تناله من بعد ذلك هو فضل من الله عليك ، مدفوع ثمنها لك إيجاداً من عدم وإمداداً من عُدْم ، ومدفوع ثمنها بأن متعك الله بكل هذه الأشياء ، فلو قارنت بين ما طلبه الله منك - على فرض أنك لا تستفيد منه - فقد أفدت ممّا قدم لك أوّلا ، وكل خير يأتيك من بعد ذلك هو من فضل الله عليك ، والفضل يُرجى ولا يُتيقن . وعظمة الحق سبحانه وتعالى في أنك تدعوه خوفاً وطمعاً . ويقول هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إن من عظمتك أمام والدك أنك تجد لك أباً تخاف منه ، وترغب أن يحقق لك بعضاً من أحلامك ، ولو اختلت واحدة من الاثنتين لاختلت الأبوة والبنوة . كذلك عظمة الرب يُرغب ويُرهب : إن رغبت فيه ولم ترهبه فأنت ناقص الإيمان ، وإن رهبت ولم ترغب فإيمانك ناقص أيضاً ، لذلك لابد من تلازم الاثنين : الرهبة والرغبة . ولو تبصّر الإنسان ما فرضه الله عليه من تكاليف إيمانية لوجد أنه يفيد من هذه التكاليف أضعافاً مضاعفة . فكل ما يجازي به الله عباده إنّما هو الفضل ، وهو الزيادة . وكل رزق للإنسان إنما هو محض الفضل . ومحض الفضل يُرجى ولا يُتيقن . وها هو ذا الحق يقول : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 55 - 56 ] . إن الدنيا كلها مسخرة تحت قهر الرحمن ومشيئته وتسخيره ، وله تمام التصرف في كل الكائنات وهو الخالق البديع ، لذلك فليدع الإنسان الله بخشوع وخضوع في السر والعلانية ، والحق لا يحب من يعتدي بالقول أو الرياء أو الإيذاء . إن الإيمان يجب أن يكون خالصاً لله ، فلا يفسد الإنسان الأرض بالشرك أو المعصية لأن الحق قد وضع المنهج الحق لصلاح الدنيا وهو القرآن ، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورحمة الله قريبة من المطيعين للحق جل وعلا . إن عظمة الرب في أنه يُرغب ويُرهب إن رغبت فيه ولم ترهبه فعملك غير مقبول ، وإن رهبته ولم ترغبه فعملك غير مقبول . إن الرغب والرهب مطلوبان معاً ، لذلك فالمؤمن المجاهد في سبيل الله يرجو رحمة الله . والحق يقول : { أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 218 ] ما هي الرحمة ؟ الرحمة ألا تبتلى بالألم من أول الأمر ، والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 82 ] . الشفاء هو أن تكون مصاباً بداء ويبرئك الله منه ، لكن الرحمة ، هي ألا يأتي الداء أصلاً { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة : 218 ] . والله سبحانه وتعالى يعلم عن عباده أن أحداً منهم قد لا يبرأ من أن يكون له ذنب . فلو حاسبنا بالمعايير المضبوطة تماماً فلسوف يتعب الإنسان منا ، ولذلك أحب أن أقول - دائماً - مع إخواني هذا الدعاء : " اللهم بالفضل لا بالعدل وبالإحسان لا بالميزان وبالخير لا بالحساب " . أي عاملنا بالفضل لا بالعدل ، وبإحسانك لا بالميزان ، لأن الميزان يتعبنا . ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة لا يكون بالأعمال وحدها ، ولكن بفضل الله ورحمته ومغفرته . إن الرسول الكريم يقول : " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله . فقالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال : ولا أنا حتى يتغمدني الله برحمته " . إذن فالمؤمن يرجو الله ولا يشترط على الله ، إن المؤمن يتجه بعمله خالصاً لله يرجو التقبل والمغفرة والرحمة ، وكل ذلك من فضل الله . ويأتي الحق لسؤال آخر : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ … } .