Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 233-233)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انظر إلى عظمة الإسلام ها هو ذا الحق سبحانه يتكلم عن إرضاع الوالدات لأولادهن بعد عملية الطلاق ، فالطلاق يورث الشقاق بين الرجل والمرأة ، والحق سبحانه وتعالى ينظر للمسألة نظرة الرحيم العليم بعباده ، فيريد أن يحمي الثمرة التي نتجت من الزواج قبل أن يحدث الشقاق بين الأبوين ، فيبلغنا : لا تجعلوا شقاقكم وخلافكم وطلاقكم مصدر تعاسة للطفل البريء الرضيع . وهذا كلام عن المطلقات اللاتي تركن بيوت أزواجهن ، لأن الله يقول بعد ذلك : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 233 ] وما دامت الآية تحدثت عن " رزقهن وكسوتهن " فذلك يعني أن المرأة ووليدها بعيدة عن الرجل ، لأنها لو كانت معه لكان رزق الوليد وكسوته أمراً مفروغاً منه . والحق سبحانه يفرض هنا حقاً للرضيع ، وأمه لم تكن تستحقه لولا الرضاع . وبعض الناس فهموا خطأ أن الرزق والكسوة للزوجات عموماً ونقول لهم : لا . إن الرزق والكسوة هنا للمطلقات اللاتي يرضعن فقط . ويريد الحق سبحانه أن يجعل هذا الحق أمراً مفروغاً منه ، فشرع حق الطفل في أن يتكفله والده بالرزق والكسوة حتى يكون الأمر معلوماً لديه حال الطلاق . وقوله تعالى : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] نلحظ فيه أنه لم يأت بصيغة الأمر فلم يقل : يا والدات أرضعن ، لأن الأمر عرضة لأن يطاع وأن يعصي ، لكن الله أظهر المسألة في أسلوب خبري على أنها أمر واقع طبيعي ولا يخالف . ويقول الحق : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } [ البقرة : 233 ] ولنتأمل عظمة الأداء القرآني في قوله : { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ } [ البقرة : 233 ] إنه لم يقل : " وعلى الوالد " ، وجاء بـ " المولود له " ليكلفه بالتبعات في الرزق والكسوة ، لأن مسئولية الإنفاق على المولود هي مسئولية الوالد وليست مسئولية الأم ، وهي قد حملت وولدت وأرضعت والولد يُنسب للأب في النهاية يقول الشاعر : @ فـإنـمـا أمـهـات الـنـاس أوعـيـة مسـتـودعـات وللآبـاء أبـنـاء @@ وما دام المولود منسوباً للرجل الأب ، فعلى الأب رزقه وكسوته هو وعليه أيضاً رزق وكسوة أمه التي ترضعه بالمعروف المتعارف عليه بما لا يسبب إجحافاً وظلماً للأب في كثرة الإنفاق ، ويقول الحق : { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 233 ] هنا الحديث عن الأم والأب . فلا يصح أن ترهق المطلقة والد الرضيع بما هو فوق طاقته ، وعليها أن تكتفي بالمعقول من النفقة . ويتابع الحق : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } [ البقرة : 233 ] ولا زال الحق يُذكرُ الأب بأن المولود له هو ، وعليه ألا يضر والدة الطفل بمنع الإنفاق على ابنه ، وألا يتركها تتكفف الناس من أجل رزقه وكسوته ، وفي الوقت نفسه يُذَكرُ الأم : لا تجعلي رضيعك مصدر إضرار لأبيه بكثرة الإلحاح في طلب الرزق والكسوة . إنه عز وجل يضع لنا الإطار الدقيق الذي يكفل للطفل حقوقه ، فهناك فرق بين رضيع ينعم بدفء الحياة بين أبوين متعاشرين ، ووجوده بين أبوين غير متعاشرين . والحق سبحانه وتعالى يعطينا لفتة أخرى هي أن والد المولود قد يموت فإذا ما مات الوالد فمن الذي ينفق على الوليد الذي في رعاية أمه المطلقة ؟ هنا يأتينا قول الحق بالجواب السريع : { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } [ البقرة : 233 ] . إن الحق يقرر مسئولية الإنفاق على من يرث والد الرضيع ، صحيح أن الرضيع سيرث في والده ، لكن رعاية الوليد اليتيم هي مسئولية من يرث الوصاية وتكون له الولاية على أموال الأب إن مات . وهكذا يضمن الله عز وجل حق الرضيع عند المولود له وهو أبوه إذا كان حياً ، وعند من يرث الأب إذا تُوفي . وبذلك يكون الله عز وجل قد شَرَّع لصيانة أسلوب حياة الطفل في حال وجود أبويه ، وشرع له في حال طلاق أبويه وأبوه حيٌّ ، وشرع له في حال طلاق أبويه ووفاة أبيه . ويتابع الحق : { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } [ البقرة : 233 ] . انظر إلى الرحمة في الإسلام فطلاق الرجل لزوجته لا يعني أن ما كان بينهما قد انتهى ، ويضيع الأولاد ويشقون بسبب الطلاق ، فقوله تعالى : { عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ } [ البقرة : 233 ] دليل على أن هناك قضية مشتركة ما زالت بين الطرفين وهي ما يتصل برعاية الأولاد ، وهذه القضية المشتركة لابد أن يُلاحظ فيها حق الأولاد في عاطفة الأمومة ، وحقهم في عاطفة الأبوة ، حتى ينشأ الولد وهو غير محروم من حنان الأم أو الأب ، وإن اختلفا حتى الطلاق . إن عليهما أن يلتقيا بالتشاور والتراضي في مسألة تربية الأولاد حتى يشعروا بحنان الأبوين ، ويكبر الأولاد دون آلام نفسية ، ويفهمون أن أمهم تقدر ظروفهم وكذلك والدهم وبرغم وجود الشقاق والخلاف بينهما فقد اتفقا على مصلحة الأولاد بتراضٍ وتشاور . إن ما يحدث في كثير من حالات الطلاق من تجاهل للأولاد بعد الطلاق هي مسألة خطيرة لأنها تترك رواسب وآثاراً سلبية عميقة في نفوس الأولاد ، ويترتب عليها شقاؤهم وربما تشريدهم في الحياة . وما ذنب أولاد كان الكبار هم السبب المباشر في مجيئهم للحياة ؟ أليس من الأفضل أن يوفر الآباء لهم الظروف النفسية والحياتية التي تكفل لهم النشأة الكريمة ؟ إن منهج الله أمامنا فلماذا لا نطبقه لنسعد به وتسعد به الأجيال القادمة ؟ والحق سبحانه وتعالى قال في أول الآية : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] لكن ماذا يكون الحال إن نشأت ظروف تقلل من فترة الرضاعة عن العامين ، أو نشأت ظروف خاصة جعلت فترة الرضاعة أطول من العامين ؟ هنا يقول الحق : { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } [ البقرة : 233 ] . إنه جل وعلا يبين لنا أن الفصال أي الفطام يجب أن يكون عن تراض وتشاور بين الوالدين ولا جناح عليهما في ذلك . ويقول الحق : { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 233 ] ، و { أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ } [ البقرة : 233 ] أي أن تأتوا للطفل بمرضعة ، فإن أردتم ذلك فلا لوم عليكم في ذلك . إن المطلق حين يوكل إلى الأم أن ترضع وليدها فالطفل يأخذ من حنان الأم الموجود لديها بالفطرة ، لكن هب أن الأم ليست لديها القدرة على الإرضاع أو أن ظروفها لا تسعفها على أن ترضع لضعف في صحتها أو قوتها ، عند ذلك فالوالد مُطالب أن يأتي لابنه بمرضعة ، وهذه المرضعة التي ترضع الوليد تحتاج إلى أن يعطيها الأب ما يُسخِّيها ويجعلها تقبل على إرضاع الولد بأمانة ، والإشراف عليه بصدق . ويختم الحق هذه الآية الكريمة بقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ البقرة : 233 ] ، إن الحق يحذر أن يأخذ أحد أحكامه ويدعي بظاهر الأمر تطبيقها ، لكنه غير حريص على روح هذه الأحكام ، مثال ذلك الأب الذي يريد أن يدلس على المجتمع ، فعندما يرى الأب مرضعة ابنه أمام الناس فهو يدعي أنه ينفق عليها ، ويعطيها أجرها كاملاً ، ويقابلها بالحفاوة والتكريم بينما الواقع يخالف ذلك . إن الله يحذر من يفعل ذلك : أنت لا تعامل المجتمع وإنما تعامل الله و { ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . ويقول الحق بعد ذلك : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً … } .