Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 234-234)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والعدة - كما عرفنا - هي الفترة الزمنية التي شرعها الله بعد زواج انتهى بطلاق أو بوفاة الزوج . والعدة إما أن تكون بعد طلاق ، وإما بعد وفاة زوج ، فإن كانت العدة بعد طلاق فمدتها ثلاثة قروء ، والقرء - كما عرفنا - هو الحيضة أو الطهر ، فإن كانت المطلقة صغيرة لم تحض بعد أو كانت كبيرة تعدت سن الحيض فالعدة تنقلب من القروء إلى الأشهر وتصبح " ثلاثة أشهر " . وعرفنا أن من حق الزوج أن يراجع زوجته بينه وبين نفسه دون تدخل الزوجة أو ولي أمرها ، له ذلك في أثناء فترة العدة في الطلاق الرجعي ، فإن انتهت عدتها فقد سقط حقه في مراجعة الزوجة بنفسه ، وله أن يراجعها ، ولكن بمهر وعقد جديدين ما دام قد بقى له حق أي لم يستنفد مرات الطلاق . وقد قلنا : إن تعدت الطلقات اثنتين وأصبحت هناك طلقة ثالثة فلابد من زوج آخر يتزوجها بالطريقة الطبيعية لا بقصد أن يحللها للزوج الأول . وأما عدة المتوفي عنها زوجها فقد عرفنا أن القرآن ينص على أنها تتربص بنفسها أربعة أشهر وعشراً ، هذا إن لم تكن حاملاً ، فإن كانت حاملاً فعدتها أبعد الأجلين ، فإن كان الأجل الأبعد هو أربعة أشهر وعشراً فتلك عدتها ، وإن كان الأجل الأبعد هو الحمل فعدتها أن ينتهي الحمل . لكن أليس من الجائز أن يموت زوجها وهي في الشهر التاسع من الحمل فتلد قبل أن يدفن ؟ وهل يعني ذلك أن عدتها انتهت ؟ لا ، إنها تنتهي بأبعد الأجلين وهو في هذه الحالة مرور أربعة أشهر وعشراً ، وإن قال بعض الفقهاء : إن عدة الحامل بوضع الحمل . لكن إذا لم يكن زوجها متوفَّى عنها فعدتها أن تضع حملها ، وإن شاءت أن تتزوج بعد ذلك فلها ذلك ولو بعد لحظة . وبعض الناس يفسرون الحكمة من جعل عدة المتوفى عنها زوجة أربعة أشهر وعشراً ، فيقولون : لأنها إن كانت حاملاً بذكر فسيظهر حملها عندما يتحرك بعد ثلاثة أشهر ، وإن كانت حاملاً بأنثى فستتحرك بعد أربعة أشهر ونعطيها مهلة عشر ليالٍ . ونقول لهم : جزاكم الله خيراً على تفسيركم ، لكن العدة ليست لاستبراء الرحم لأنها لو كانت لاستبراء الرحم لانتهت عدة المرأة بمجرد ولادتها . ولو كان الأمر للتأكد من وجود حمل أو عدمه ، لكانت عدتها ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض ، وإن كانت من غير ذوات الحيض لصغر أو لكبر سن لكانت عدتها ثلاثة أشهر . لكن الله اختصها بأربعة أشهر وعشر وفاءً لحق زوجها عليها وإكراماً لحياتهما الزوجية . إذن فالله عز وجل جعل المتوفى عنها زوجها تتربص أقصى مدة يمكن أن تصبر عليها المرأة . فالمرأة ساعة تكون متوفى عنها زوجها لا تخرج من بيتها ولا تتزين ولا تلقى أحداً وفاءً للزوج ، فإذا انتهت عدتها أي مضت عليها الأربعة الأشهر والعشرة ، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ } [ البقرة : 234 ] وهو يعني أن تتزين في بيتها وتخرج دون إبداء زينة وأن يتقدم لها من يريد خطبتها . وقوله تعالى : { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } [ البقرة : 234 ] والمقصود بهذه المدة أربعة أشهر وعشر ليال . وهنا لفتة تشريعية إيمانية تدل على استطراق كل حكم شرعي في جميع المكلفين وإن لم يكن الحكم ماساً لهم فالمتوفى عنها زوجها تربصت أربعة أشهر وعشراً وبلغتها في مدة العدة ، وكان من حكم الله عليها ألا تتزين وألا تكتحل وألا تخرج من بيتها وفاءً لحق زوجها فإذا بلغت الأجل وانتهى قال : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ } [ البقرة : 234 ] ، ولم يقل : فلا جناح عليهن . لقد وجه الخطاب هنا للرجال لأن كل مؤمن له ولاية على كل مؤمنة ، فإذا رأى في سلوكها أو أسلوب عنايتها بنفسها ما ينافي العدة فله أن يتدخل . مثلاً إذا رآها تتزين قال لها أو أرسل إليها من يقول لها : لماذا تتزينين ؟ إن قول الله : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 234 ] يجعل للرجال قوامة على المتوفى عنها زوجها ، فلا يقولون : لا دخل لنا لأن الحكم الإيماني حكم مستطرق في كل مؤمن وعلى كل مؤمن . فالحق سبحانه وتعالى يقول : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] . إن قوله الحق : " تواصوا " لا يعني أن قوماً خُصوا بأنهم يُوصون غيرهم وقوماً آخرين يُوصيهم غيرهُم ، بل كل واحد منا موصٍ في وقت وموصىً من غيره في وقت آخر ، هذا هو معنى " وتواصوا " . فإذا رأيت في غيرك ضعفاً في أي ناحية من نواحي أحكام الله ، فلك أن توصيه . وكذلك إن رأى غيرُك فيك ضعفاً في أي ناحية من النواحي فله أن يوصيك ، وعندما نتواصى جميعاً لا يبقى لمؤمن بيننا خطأ ظاهر . إذن فالآية لا تَخُص بالوصاية جماعة دون أخرى إنما الكل يتواصون ، لأن الأغيار البشرية تتناوب الناس أجمعين . فأنت في فترة ضعفي رقيب علي ، فتوصيني ، وأنا في فترة ضعفك رقيب عليك ، فأوصيك . ولذلك جاء قول الحق : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 234 ] إنه سبحانه لم يوجه الخطاب للنساء ، ولكن خاطب به المؤمنين ولم يخص بالخطاب أولياء أمور النساء فحسب وإنما ترك الحكم للجميع حتى لا يقول أحد : لا علاقة لي بالمرأة التي توفى عنها زوجها ولتفعل ما تشاء . إن لها أن تتزين بالمتعارف عليه إسلامياً في الزينة ، ولها أن تتجمل في حدود ما أذن الله لها فيه . ويختتم الحق هذه الآية بقوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ البقرة : 234 ] أي والله أعلم بما في نفسها وبما في نيتها . وهب أنها فعلت أي فعل على غير مرأى من أحد فلا تعتقد أن المجتمع وإن لم يشهد منها ذلك أن المسألة انتهت ، لا ، إنّ الله عليم بما تفعل وإن لم يطلع عليها أحد من الناس . إن الحق سبحانه وتعالى قد حمى بكل التشريعات السابقة حق الزوج حتى تنتهي العدة ، وحق المتوفى عنها زوجها في أثناء العدة ، وحمى أيضاً بكل التشريعات كرامة المرأة . وجعل المرأة حرماً لا يقترب منه أحد يخدش حجابها ، إنّ عليها عدة محسوبة في هذا الوقت لرجل آخر ، فلا يحق لأحد أن يقترب منها . لماذا ؟ لأن المرأة خاصة إذا كانت مطلقة قد تتملكها رغبة في أن تثأر لنفسها ولكرامتها ، وربما تعجلت التزوج ، وربما كانت مسائل الافتراق أو الخلاف ناشئة عن اندساس رغبة راغب فيها ، وبمجرد أن يتم طلاقها وتعيش فترة العدة فقد يحوم حولها الراغبون فيها ، أو تستشرف هي من ناحيتها من تراه صالحاً كزوج لها . ولذلك يفرض الحق سياجاً من الزمن ويجعل العدة كمنطقة حرام ليحمي المرأة حماية موضوعية لا شكلية . التشريع - لأنه من إله رحيم - لا يهدر عواطف النفس البشرية : لا من ناحية الذي يرغب في أن يتزوج ، ولا من ناحية المرأة التي تستشرف أن تتزوج ، فيعالج هذه المسألة بدقة وبحزم وبحسم معاً - جل شأنه - : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ … } .