Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 237-237)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي ما دام لم يدخل بها ولم يتمتع بها فلا تأخذ المهر كله ، إنما يكون لها النصف من المهر . ولنعلم أن هناك فرقاً بين أن يوجد الحكم بقانون العدل ، وبين أن يُنظر في الحكم ناحية الفضل ، وأحكي هذه الواقعة لنتعلم منها : ذهب اثنان إلى رجل ليحكم بينهما فقالا : احكم بيننا بالعدل . قال : أتحبون أن أحكم بينكما بالعدل ؟ أم بما هو خير من العدل ؟ فقالا : وهل يُوجد خير من العدل ؟ قال : نعم . الفضل . إن العدل يعطي كل ذي حق حقه ، ولكن الفضل يجعل صاحب الحق يتنازل عن حقه أو عن بعض حقه . إذن فالتشريع حين يضع موازين العدل لا يريد أن يُحرم النبع الإيماني من أريحية الفضل فهو يعطيك العدل ، ولكنه سبحانه يقول بعد ذلك : { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] فالعدل وحده قد يكون شاقاً وتبقى البغضاء في النفوس ، ولكن عملية الفضل تنهي المشاحة والمخاصمة والبغضاء . والمشاحة إنما تأتي عندما أظن أني صاحب الحق ، وأنت تظن أنك صاحب الحق ، ومن الجائز أن تأتي ظروف تزين لي فهمي ، وتأتي لك ظروف تزين لك فهمك ، فحين نتمسك بقضية العدل لن نصل إلى مبلغ التراضي في النفوس البشرية . ولكن إذا جئنا للفضل تراضينا وانتهينا . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } [ البقرة : 237 ] أي من قبل أن تدخلوا بهن { وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } [ البقرة : 237 ] يعني سميتم المهر { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ } [ البقرة : 237 ] والمقصود بـ " يعفون " هو الزوجة المطلقة . إن بعض الجهلة يقولون والعياذ بالله : إن القرآن فيه لحن . وظنوا أن الصحيح في اللغة أن يأتي القول : إلا أن يعفوا بدلاً من " إلا أن يعفون " . وهذا اللون من الجهل لا يفرق بين " واو الفعل " و " واو الجمع " إنها هنا " واو الفعل " فقول الحق : " إلا أن يعفون " مأخوذة من الفعل " عفا " و " يعفو " . وهكذا نفهم أن للزوجة أن تعفو عن نصف مهرها وتتنازل عنه لزوجها . ويتابع الحق : { أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ } [ البقرة : 237 ] والمقصود به الزوج وليس الولي ، لأن سياق الآية يُفهم منه أن المقصود به هو الزوج ، مع أن بعض المفسرين قالوا : إنه ولي الزوجة . ولنا أن نعرف أن الولي ليس له أن يعفو في مسألة مهر المرأة لأن المهر من حق الزوجة ، فهو أصل مال ، وأصل رزق في حياة الناس لأنه نظير التمتع بالبضع . ولذلك تجد بعض الناس لا يصنعون شيئاً بصداق المرأة ، ويدخرونه لها بحيث إذا مرض واحد اشترت له من هذا الصداق ولو قرص اسبرين مثلاً لأنه علاج من رزق حلال ، فقد يجعل الله فيه الشفاء . فالمرأة تحتفظ بصداقها الحلال لمثل هذه المناسبات لتصنع به شيئاً يجعل الله فيه خيراً ، لأنه من رزق حلال لا غش فيه ولا تدليس . وأرد المفسرين الذين نادوا بأن ولي الزوجة هو الذي يعفو وأقول : لماذا يأتي الله بحكم تتنازل فيه المرأة عن حقها وأن تعفو عن النصف ، والرجل لا يكون أريحياً ليعفو عن النصف ؟ لماذا تجعل السماء الغرم كله على المرأة ؟ هل من المنطقي أن تعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقد النكاح يعني أولياء الزوجة ، فنجعل العفو يأتي من الزوجة ومن أوليائها أي من جهة واحدة ؟ إن علينا أن نحسن الفهم لسياق الفضل الذي قال الله فيه : { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] ، إن التقابل في العفو يكون بين الاثنين ، بين الرجل والمرأة ، ونفهم منه المقصود بقوله تعالى : { أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ } [ البقرة : 237 ] أنه هو الزوج ، فكما أن للمرأة أن تعفو عن النصف المستحق لها فللزوج أن يعفو أيضاً عن النصف المستحق له . ويقول الحق : { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [ البقرة : 237 ] لأن من الجائز جداً أن يظن أحد الطرفين أنه مظلوم ، وإن أخذ النصف الذي يستحقه . لكن إذا لم يأخذ شيئاً فذلك أقرب للتقوى وأسلم للنفوس . ولنا أن نتذكر دائماً في مثل هذه المواقف قول الحق : { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] فحتى في مقام الخلاف الذي يؤدي إلى أن يفترق رجل عن امرأة لم يدخل بها يقول الله : { وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] أي لا تجعلوها خصومة وثأراً وأحقاداً ، واعلموا أن الحق سبحانه يجعل من بعض الأشياء أسباباً مقدورة لمقدور لم نعلمه . وهذه المسألة تجعل الإنسان لا يعتقد أن أسبابه هي الفاعلة وحدها . ومثال ذلك : قد نجد رجلاً قد أعجب بواحدة رآها فتزوجها ، أو واحدة أخرى رآها شاب ولم تعجبه ، ثم جاء لها واحد آخر فأعجب بها ، معنى ذلك أن الله عز وجل كتب لها القبول ساعة رأت الشاب أهلاً لها ورآها هي أهلاً له . ولذلك كان الفلاحون قديماً يقولون : لا تحزن عندما يأتي واحد ليخطب ابنتك ولا تعجبه لأنه مكتوب على جبهة كل فتاة : أيها الرجال عفوا - بكسر العين وتشديد الفاء - عن نساء الرجال فهي ليست له ، ولذلك فليس هذا الرجل من نصيبها . وعلينا ألا نهمل أسباب القدر في هذه الأمور لأن هذا أدعى أن نحفظ النفس البشرية من الأحقاد والضغائن . ويختم الحق الآية بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ البقرة : 237 ] إنه سبحانه يعلم ما في الصدور وما وراء كل سلوك . وبعد ذلك تأتي آية لتثبت قضية إيمانية ، هذه القضية الإيمانية هي أن تكاليف الإسلام كلها تكاليف مجتمعة ، فلا تستطيع أن تفصل تكليفاً عن تكليف ، فلا تقل : " هذا فرض تعبدي " و " هذا مبدأ مصلحيّ " و " هذا أمر جنائي " ، لا . إن كل قضية مأمور بها من الحق هي قضية إيمانية تُكَوِّنُ مع غيرها منهجا متكاملاً . فبعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الطلاق يقول : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ … } .