Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 236-236)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نحن نلاحظ أن الكلام فيما تقدم كان عن الطلاق للمدخول بها ، أو عن المرأة التي دخل بها زوجها ومات عنها . ولكن قد تحدث بعض من المسائل تستوجب الطلاق لامرأة غير مدخول بها . وتأتي هذه الآية لتتحدث عن المرأة غير المدخول بها ، وهي إما أن يكون الزوج لم يفرض لها صداقاً ، وإما أن يكون قد فرض لها صداقاً . والطلاق قبل الدخول له حكمان : فُرضت في العقد فريضة ، أو لم تفرض فيه فريضة ، فكأن عدم فرض المهر ليس شرطاً في النكاح ، بل إذا تزوجته ولم يفرض في هذا الزواج مهر فقد ثبت لها مهر المثل والعقد صحيح . ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } [ البقرة : 236 ] ومعنى ذلك أنها كانت زوجة ولم يحدث دخول للزوج بها . ولنا أن نسأل ما هو المس ؟ ونقول : فيه مس ، وفيه لمس ، وفيه ملامسة . فالإنسان قد يمس شيئاً ، ولكن الماس لا يتأثر بالممسوس ، أي لم يدرك طبيعته أو حاله هل هو خشن أو ناعم ؟ دافئ أم بارد ، وإلى غير ذلك . أما اللمس فلا بد من الإحساس بالشيء الملموس ، أما الملامسة فهي حدوث التداخل بين الشيئين . إذن فعندنا ثلاث مراحل : الأولى هي : مس . والثانية : لمس . والثالثة : ملامسة . كلمة " المس " هنا دلت على الدخول والوطء ، وهي أخف من اللمس ، وأيسر من أن يقول : لامستم أو باشرتم ، ونحن نأخذ هذا المعنى لأن هناك سياقاً قرآنياً في مكان آخر قد جاء ليكون نصاً في معنى ، ولذلك نستطيع من سياقه أن نفهم المعنى المقصود بكلمة " المس " هنا ، فقد قالت السيدة مريم : { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } [ مريم : 20 ] . إن القرآن الكريم يوضح على لسان سيدتنا مريم أن أحداً من البشر لم يتصل بها ذلك الاتصال الذي ينشأ عنه غلام ، والتعبير في منتهى الدقة ، ولأن الأمر فيه تعرض لعورة وأسرار لذلك جاء القرآن بأخف لفظ في وصف تلك المسألة وهو المس ، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يثبت لها إعفافاً حتى في اللفظ ، فنفى مجرد مس البشر لها ، وليس الملامسة أو المباشرة برغم أن المقصود باللفظ هو المباشرة لأن الآية بصدد إثبات عفة مريم . ولنتأمل أدب القرآن في تناول المسألة في الآية التي نحن بصددها فكأن الحق سبحانه وتعالى يعبر عن اللفظ بنهاية مدلوله وبأخف التعبير . والحق يقول : { أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } [ البقرة : 236 ] وتعرف أن " أَوْ " عندما ترد في الكلام بين شيئين فهي تعني " إما هذا وإما ذاك " ، فهل تُفرض لهن فريضة مقابل المس ؟ . إن الأصل المقابل في " ما لم تمسوهن " هو أن تمسوهن . ومقابل " تفرضوا لهن فريضة " هو : أن لا تفرضوا لهن فريضة . كأن الحق عز وجل يقول : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن سواء فرضتم لهن فريضة أو لم تفرضوا لهن فريضة . وهكذا يحرص الأسلوب القرآني على تنبيه الذهن في ملاحظة المعاني . ولنا أن نلاحظ أن الحق قد جاء بكلمة " إن " في احتمال وقوع الطلاق ، و " إن " - كما نعرف - تُستخدم للشك ، فكأن الله عز وجل لا يريد أن يكون الطلاق مجترءاً عليه ومحققاً ، فلم يأت بـ " إذا " ، بل جعلها في مقام الشك حتى تُعزز الآية قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " . ثم يقول الحق عز وجل بعد ذلك : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] أي إنّك إذا طلقت المرأة قبل الدخول ، ولم تفرض لها فريضة فأعطها متعة . وقال العلماء في قيمة المتعة : إنها ما يوازي نصف مهر مثيلاتها من النساء لأنه كان من المفروض أن تأخذ نصف المهر ، وما دام لم يُحدَّد لها مهرٌ فلها مثل نصف مهر مثيلاتها من النساء . ويقول الحق : { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] أي ينبغي أن تكون المتعة في حدود تناسب حالة الزوج فالموسع الغني : عليه أن يعطي ما يليق بعطاء الله له ، والمقتر الفقير : عليه أن يعطي في حدود طاقته . وقول القرآن : { ٱلْمُوسِعِ } مشتق من " أوسع " واسم الفاعل " موسع " واسم المفعول " مُوسع عليه " ، فأي اسم من هؤلاء يطلق على الزوج ؟ إن نظرت إلى أن الزرق من الحق فهو " موسع عليه " ، وإن نظرت إلى أن الحق يطلب منك أن توسع حركة حياتك ليأتيك رزقك ، وعلى قدر توسيعها يكون اتساع الله لك ، فهو " موسع " . إذن فالموسع : هو الذي أوسع على نفسه بتوسيع حركة أسبابه في الحياة . والإقتار هو الإقلال ، وعلى قدر السعة وعلى قدر الإقتار تكون المتعة . والحق سبحانه وتعالى حينما يطلب حكماً تكليفياً لا يقصد إنفاذ الحكم على المطلوب منه فحسب ، ولكنه يوزع المسئولية في الحق الإيماني العام فقوله : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] يعني إذا وُجد من لا يفعل حكم الله فلا بد أن تتكاتفوا على إنفاذ أمر الله في أن يمتع كل واحد طلق زوجته قبل أن يدخل بها . والجمع في الأمر وهو قوله : " ومتعوهن " دليل على تكاتف الأمة في إنفاذ حكم الله . وبعد ذلك قال : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ … } .