Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 247-247)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هم الذين طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكاً . وكان يكفي - إذن - أن يختار نبيهم شخصاً ويوليه الملك عليهم . لكن نبيهم أراد أن يغرس الاحترام منهم في المبعوث كملك لهم . لقد قال لهم : { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } [ البقرة : 247 ] . والنبي القائل ذلك ينتمي إليهم ، وهو منهم ، وعندما طلبوا منه أن يبعث لهم ملكاً كانوا يعلمون أنه مأمون على ذلك . ويتجلى أدب النبوة في التلقي ، فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } [ البقرة : 247 ] . إنه يريد أن يطمئنهم على أن مسألة اختيار طالوت كملك ليست منه لأنه بشر مثلهم ، وهو يريد أن ينحي قضيته البشرية عن هذا الموضوع ، فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } [ البقرة : 247 ] . فماذا كان ردهم ؟ { قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } [ البقرة : 247 ] . وهذه بداية التلكؤ واللجاجة ونقل الأمر إلى مسألة ليست من قضايا الدين . إنهم يريدون الوجاهة والغنى . وكان يجب عليهم أن يأخذوا المسألة على أن الملك جاء لصالحهم ، لأنهم هم الذين طلبوه ليقودهم في الحرب . إذن فأمر اختيار الملك كان لهم ولصالحهم ، فلماذا يتصورون أن الاختيار كان ضدهم وليس لمصلحتهم ؟ شيء آخر نفهمه من قولهم : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } [ البقرة : 247 ] ، إن طالوت هذا لم يكن من الشخصيات المشار إليها فمن العادة حين يَحزُب الأمر في جماعة من الجماعات أن تفكر فيمن يقود ، فعادة ما يكون هناك عدد من الشخصيات اللامعة التي يدور التفكير حولها ، وتظن الجماعة أنه من الممكن أن يقع على واحد منهم الاختيار ، وكان اختيار السماء لطالوت على عكس ما توقعت تلك الجماعة . لقد جاء طالوت من غمار القوم بدليل أنهم قالوا : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ } [ البقرة : 247 ] أي لم يؤت الملك من قبل . ولقد كانوا ينتمون إلى نسلين : نسل أخذ النبوة وهو نسل بنيامين ، ونسل أخذ الملوكية وهو نسل لاوى بن يعقوب . فلما قال لهم : { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } [ البقرة : 247 ] ، بدأوا يبحثون عن صحيفة النسب الخاصة به فلم يجدوه منتمياً لا لهذا ولا لذاك ، ولذلك قالوا : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } [ البقرة : 247 ] . وهذا يدلنا على أن الناس حين يريدون وضعاً من الأوضاع لا يريدون الرجل المناسب للموقف ، ولكن يريدون الرجل المناسب لنفوسهم ، بدليل قولهم : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ } [ البقرة : 247 ] . وهل الملك يأتي غطرسة أو كبرياء ؟ وما دام طالوت رجلاً من غمار الناس فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يضع قضية كل مؤمن وهي أنك حين تريد الاختيار فإياك أن يغشك حسب أو نسب أو جاه ، ولكن اختر الأصلح من أهل الخبرة لا من أهل الثقة . لقد تناسوا أن القضية التي طلبوها من نبيهم تحتاج إلى صفتين : رجل جسيم ورجل عليم ، والله اختار لهم طالوت رجلاً جسيماً وعليماً معاً . وعندما نتأمل سياق الآيات فإننا نجد أن الله قال لهم في البداية : { بَعَثَ لَكُمْ } [ البقرة : 247 ] حتى لا يحرج أحداً منهم في أن طالوت أفضل منه ، ولكن عندما حدث لجاج قال لهم : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 247 ] وهو بهذا القول يؤكد إنه لا يوجد فيكم من أهل البسطة والجسامة من يتمتع بصفة العلم . وكذلك لا يوجد من أهل العلم فيكم من يتمتع بالبسطة والجسامة { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ } [ البقرة : 247 ] . وكان يجب أن يستقبلوا اصطفاء الله طالوت للملك بالقبول والرضى فما بالك وقد زاده بسطة في العلم والجسم ؟ والبسطة في العلم والجسم هي المؤهلات التي تناسب المهمة التي أرادوا من أجلها ملكاً لهم . ولذلك يقول الحق : { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 247 ] وكأن الحق يقول لهم : لا تظنوا أنكم أنتم الذين ترشحون لنا الملك المناسب ، يكفيكم أنكم طلبتم أن أرسل لكم ملكاً فاتركوني بمقاييسي اختر الملك المناسب . ويختم الحق الآية بقوله : { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 247 ] أي عنده لكل مقام مقال ، ولكل موقع رجل ، وهو سبحانه عليم بمن يصلح لهذه المهمة . ومن يصلح لتلك ، لا عن ضيق أو قلة رجال ، ولكن عن سعة وعلم . لقد استقبلوا هذا الاختيار الإلهي باللجاج ، واللجاج نوع من العناد ولا ينهيه إلا الأمر المشهدي المرئي الذي يلزم بالحجة ، لذلك كان لابد من مجيء معجزة . لذلك يأتي قوله الحق : { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ … } .