Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 261-261)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الله ينسب المال للبشر المتحركين لأنهم أخذوا هذه الأموال بحركتهم . وفي موضع آخر من القرآن يقول الحق : { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ … } [ النور : 33 ] . إن المال كله مال الله ، وقد أخذه الإنسان بالحركة ، فاحترم الله هذه الحركة ، واحترم الله في الإنسان قانون النفعية ، فجعل المال المتبقي من حركتك ملكاً لك أيها الإنسان ، لكن إن أراد الله هذا المال فسيأخذه ، ومن فضل الله على الإنسان أنه سبحانه حين يطلب من الإنسان بعضاً من المال المتبقي من حركته فهو يطلبه كقرض ، ويرده مضاعفاً بعد ذلك . إذن فالإنفاق في سبيل الله يرده الله مضاعفاً ، وما دام الله يضاعفه فهو يزيد ، لذلك لا تحزن ولا تخف على مالك لأنك أعطيته لمقتدر قادر واسع عليم . إنه الحق الذي يقدر على إعطاء كل واحد حسب ما يريد هو سبحانه إنه يعطي على قدر نية العبد وقدر إنفاقه . وهذه الآية تعالج قضية الشُح في النفس الإنسانية فقد يكون عند الإنسان شيء زائد ، وتشح به نفسه ويبخل ، فيخاف أن ينفق منه فينقص هذا الشيء . وهنا تقول لك قضية الإيمان : أنفق لأنه سبحانه سيزيدك ، والحق سيعطيك مثلما يعطيك من الأرض التي تزرعها . أنت تضع الحبة الواحدة . فهل تعطيك حبة واحدة ؟ لا . إن حبة القمح تعطي كمية من العيدان وكل عود فيه سنبلة وهي مشتملة على حبوب كثيرة ، فإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تضاعف لك ما تعطيه أفلا يضاعف العطاء لك الذي خلقها ؟ وإذا كان بعض من خلق الله يضاعف لك ، فما بالك بالله جل وعلا ؟ إن الأرض الصماء بعناصرها تعطيك ، أئذا ما أخذت كيلة القمح من مخزنك لتبذرها في الأرض أيقال : إنك أنقصت مخزنك بمقدار كيلة القمح ؟ لا لأنك ستزرع بها ، وأنت تنتظر كم ستأتي من حبوب ، وهذه أرض صماء مخلوقة لله ، فإذا كان المخلوق لله قد استطاع أن يعطيك بالحبة سبعمائة ، ألا يعطيك الذي خلق هذه الأرض أضعاف ذلك ؟ إنه كثير العطاء . والحق قد نسب للمنفقين الأموال التي رزقهم الله بها فقال : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 261 ] وكلمة " في سبيل الله " كلمة عامة ، يصح أن يكون معناها الجهاد ، أو مصارف الصدقات لأن كل هذا في سبيل الله لأن الضعيف حين يجد نفسه في مجتمع متكافل ، ويجد صاحب القوة قد عدّى من أثر قوته وحركته إليه ، أيحقد على ذي القوة ؟ لا لأن خيره يأتيه ، نضرب المثل في الريف نقول : البهيمة التي تدر لبناً ساعة تسير في الحارة . فالكل كان يدعو الله لها ويقول : " يحميكي " لماذا ؟ لأن صاحبها يعطي كل من حوله من لبنها ومن جبنتها ومن سمنها ، لذلك يدعو لها الجميع ، ولا يربطها صاحبها ، ولا يعلفها ، ولا ينشغل عليها ، والخير القادم منها يذهب إلى كل الأهل ، وحين نجد مجتمعاً بهذا الشكل ويجد العاجز من القوي معيناً ، هنا يقول العاجز : إنني في عالم متكامل . وإذا ما وُجد في إنسان قوة وفي آخر ضعف فالضعيف لا يحقد وإنما يقول : إن خير غيري يصلني . وكذلك يطمئن الواهب أنه إن عجز في يوم ما سيجد من يكفله - والقدرة أغيار - ما دام الإنسان من الأغيار . فقد يكون قوياً اليوم ضعيفاً غداً . إذن فقول الحق سبحانه وتعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } [ البقرة : 261 ] هو قانون يريد به الله أن يحارب الشُح في نفس المخلوقين ، إنه يقول لكل منا : انظر النظرة الواعية فالأرض لا تنقص من مخزنك حين تعطيها كيلة من القمح ! صحيح أنك أنقصت كيلة من مخزنك لتزرعها ، ولكنّك تتوقع أن تأخذ من الأرض أضعافها . وإياك أن تظن أن ما تعطيه الأرض يكون لك فيه ثقة ، وما يعطيه الله لا ثقة لك فيه . { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] إن الآية تعالج الشُح ، وتؤكد أن الصدقة لا تنقص ما عند الإنسان بل ستزيده . وبعد ذلك يقول تعالى : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى … } .