Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 265-265)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن ابتغاء مرضاة الله في الإنفاق تعني خروج الرياء من دائرة الإنفاق ، فيكون خالصاً لوجهه - سبحانه - وأما التثبيت من أنفسهم ، فهو لأنفسهم أيضاً . فكأن النفس الإيمانية تتصادم مع النفس الشهوانية ، فعندما تطلب النفس الإيمانية أي شيء فإن النفس الشهوانية تحاول أن تمنعها . وتتغلب النفس الإيمانية على النفس الشهوانية وتنتصر لله . والمراد بـ " تثبيتاً من أنفسهم " هو أن يتثبت المؤمن على أن يحب نفسه حباً أعمق لا حباً أحمق . إذن فعملية الإنفاق يجب أن تكون أولاً إنفاقاً في سبيل الله ، وتكون بتثبيت النفس بأن وهب المؤمن أولاً دمه ، وثبت نفسه ثانياً بأن وهب ماله ، وهكذا يتأكد التثبيت فيكون كما تصوره الآية الكريمة : { كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ البقرة : 265 ] . والجنة كما عرفنا تُطلق في اللغة على المكان الذي يوجد به زرع كثيف أخضر لدرجة أنه يستر من يدخله . ومنها " جن " أي " ستر " ، ومن يدخل هذه الجنة يكون مستوراً . إن الحق يريد أن يضرب لنا المثل الذي يوضح الصنف الثاني من المنفقين في سبيل الله ابتغاء مرضاته وتثبيتا من أنفسهم الإيمانية ضد النفس الشهوانية ، فيكون الواحد منهم كمن دخل جنة كثيفة الزرع ، وهذه الجنة توجد بربوة عالية ، وعندما تكون الجنة بربوة عالية فمعنى ذلك أنها محاطة بأمكنة وطيئة ومنخفضة عنها ، فماذا يفعل المطر بهذه الجنة التي توجد على ربوة ؟ وقد أخبرنا الحق بما يحدث لمثل هذه الجنة قبل أن يتقدم العلم الحديث ويكتشف آثار المياه الجوفية على الزراعة . فهذه الجنة التي بربوة لا تعاني مما تعاني منه الأرض المستوية ، ففي الأرض المستوية قد توجد المياه الجوفية التي تذهب إلى جذور النبات الشعرية وتفسدها بالعطن ، فلا تستطيع هذه الجذور أن تمتص الغذاء اللازم للنبات ، فيشحب النبات بالإصفرار أولاً ثم يموت بعد ذلك ، إنّ الجنة التي بربوة تستقبل المياه التي تنزل عليها من المطر ، وتكون لها مصارف من جميع الجهات الوطيئة التي حولها ، وترتوي هذه الجنة بأحدث ما توصل إليه العلم من وسائل الري ، إنها تأخذ المياه من أعلى أي من المطر ، فتنزل المياه على الأوراق لتؤدي وظيفة أولى وهي غسل الأوراق . إن أوراق النبات - كما نعلم - مثل الرئة بالنسبة للإنسان مهمتها التنفس ، فإذا ما نزل عليها ماء المطر فهو يغسل هذه الأوراق مما يجعلها تؤدي دورها فيما نُسميه نحن في العصر الحديث بالتمثيل الكلوروفيلي . وبعد ذلك تنزل المياه إلى الجذور لتذيب العناصر اللازمة في التربة لغذاء النبات ، فتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب في الماء ، وينزل الماء الزائد عن ذلك في المصارف المنخفضة . وهذه أحدث وسائل الزراعة الحديثة ، واكتشفوا أن المحصول يتضاعف بها . إن الحق يخبرنا أن من ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل هذه الجنة التي تروى بأسلوب رباني ، فإن نزل عليها وابل من المطر ، أخذت منه حاجتها وانصرف باقي المطر عنها ، { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } [ البقرة : 265 ] والطلُّ وهو المطر والرذاذ الخفيف يكفيها لتؤتي ضعفين من نتاجها … وإذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء مرتين ، فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات . والله يضرب لنا مثلاً ليزيد به الإيضاح لحالة من ينفق ماله رئاء الناس فيسأل عباده المؤمنين وهو أعلم بهم فيقول جل شأنه : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } .