Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 36-36)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن أسكن الله سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة ، وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام ، بدأ الشيطان مهمته ، مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته . والحق سبحانه يقول : { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } [ البقرة : 36 ] أي : أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزَّلة ، وهي العثرة أو الكبوة . كيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان ، وأبلغه أنه عدو لهما في قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } [ طه : 117 ] . إذن : فالعداوة معلنة ومسبقة ، ولنفرض أنها غير معلنة ، ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم ؟ ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه في قوله { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } [ ص : 76 ] وقوله { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] كل هذا ينبغي أن ينبه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبداً . والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود ، بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه … يقول الحق سبحانه وتعالى : { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } [ البقرة : 36 ] مِمَّ أخرجهما ؟ من العيش الرغيد ، واسع النعمة في الجنة ، ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب . ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول : { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } [ طه : 117 ] . وهنا لابد أن نتساءل : لماذا لم يقل فتشقيا ؟ إن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى … إلى مهمة المرأة ، ومهمة الرجل في الحياة . فمهمة المرأة أن تكون سكناً لزوجها عندما يعود إلى بيته ، تُذْهب تعبه وشقاءه ، أما مهمة الرجل فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده ، والعمل تعب وحركة . وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلى أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى ، ثم يأتي إلى أهله فتكون السكينة والراحة والاطمئنان . إذا كانت هذه هي الحقيقة ، فلماذا يأتي العالم ليغيِّر هذا النظام ؟ نقول إن العالم هو الذي يُتعب نفسه . ويُتعب الدنيا . فعمل المرأة شقاء لها ، فمهمتها هي البيت ، وليس عندها وقت لأي شيء آخر ، فإذا عملت فذلك على حساب أولادها وبيتها وزوجها … ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع ، فيضيع الأولاد ، ويهرب الزوج إلى مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه ، وينتهي المجتمع إلى فوضى . وكان يجب على آدم أن يتنبه إلى أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة الله فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاماً ، ويحتاط … كيف أزل الشيطان آدم وزوجه ؟ لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا هذا ، ولكن ليس في سورة البقرة ، وإنما في آية أخرى … فقال تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] . إذن : فإبليس قال كاذباً : إن مَنْ يأكل من هذه الشجرة يصبح مَلَكاً ، ويصبح خالداً لا يموت … ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية ، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت ، وإنما يريدك عاصياً على أي وجه . ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية ، تريد شيئاً بذاته ، وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان ، ووسوسة النفس ، فالشيطان يريدك عاصياً بأي ذنب ، فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى ، فقد قال لآدم : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] . ولكن هذه المحاولة لم تُفلح ، فقال لهما : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحاً … لأكل إبليس من الشجرة ، ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين . ما الذي أسقط آدم في المعصية ؟ إنها الغفلة أو النسيان . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] . وهل النسيان معصية . حتى يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] . نعم ، النسيان كان معصية في الأمم السابقة ، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيان وما اسُتكْرِهوا عليه " . ونسى وعصى تؤدي معنًى واحداً … وقوله تعالى : { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [ الأعراف : 24 ] . هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلى الأرض ليباشر مهمته في الدنيا . وما دام الحق سبحانه وتعالى قال : { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [ الأعراف : 24 ] . فهي إذن حياة موقوتة على قدر وقتها ، وعلى قدر حجمها … والذين يقولون إنه لابد من وجود بشر نسميه مخلِّصا . ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من الخطيئة التي ارتكبها آدم . نقول له : إنك لم تفهم عن الله شيئاً ، لأن القصة هي هنا خطأ قد حدث وصُوب . وفرق بين الخطأ والخطيئة . فالخطأ يصوب . ولكن الخطيئة يعاقب عليها . وآدم أخطأ وصوب الله له . وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه . إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلى الله . ثم ماذا فعل آدم ، حتى نقول نخلص العالم من خطيئة آدم . إنه أكل من الشجرة . وهل خطايا العالم كلها أكل ؟ ! مَنْ الذي أوجد القتل وسفك الدماء ، والزِّنَى والاغتصاب والنميمة والغيبة ؟ لو أن كلامهم صحيح لكان لابد ألا توجد خطيئة على الأرض ما دام قد وجد المخلِّص الذي فدى العالم من الخطيئة ، ولكن الخطيئة باقية . ومَنْ الذي قال إن الخطيئة تورث ، حتى يرث العالم كله خطيئة آدم ؟ ! … والله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ فاطر : 18 ] . وقول الحق سبحانه وتعالى : { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [ البقرة : 36 ] العداوة هنا بين الشيطان والإنسان ، والعداوة أيضاً بين شياطين الإنس والمؤمنين ، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلى نشاط وتنبه . فالمستشرقون يعادون الإسلام ، ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطاً لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليهم . وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين ، وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل . فأنت ما دام لك عدو … فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل . ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب . ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه ، وتجند كل القوى للتفوق علمياً على الدول الأخرى . هذه الارتقاءات والاختراعات ، قد تكون للتدمير والقتل . ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلى ارتقاءات الإنسان في الأرض . فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب ، والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلى القمر كانت نتيجة حرب ، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر . وقوله تعالى { ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [ البقرة : 36 ] … الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل ، وقد يكون الهبوط معنوياً ، بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا . هو لم يهبط من مكان أعلى إلى مكان أسفل . ولكنه هبط في قيمته ، والمسافات لا تعني قرباً أو بعداً . فقد يكون إنسان يجلس إلى جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به . وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلى قلبك أكثر من ذلك الجالس إلى جوارك ، وسواء كان الهبوط مادياً أو معنوياً ، فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض ، والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة . وهكذا بعد معصية آدم هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض … وقوله تعالى : { ٱهْبِطُواْ } معناه : إن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية . لقد بيَّن الله تعالى لآدم عملياً أن إبليس عدو له . لا يريد له الخير : وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان ، وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة . قدراتها محدودة ، ومتاعها محدود … في قوله تعالى : { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [ الأعراف : 24 ] . أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت . وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن متاعها قليل ، وأمدها قصير .