Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 37-37)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نزل آدم وحواء إلى الأرض ليمارسا مهمتهما في الكون ، وقبل أن يبدآ هذه المهمة . جعلهما الله سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان ، وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما … كان لا بد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى التوبة رحمة بعباده . ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده ، ولكنه رحمة بالمجتمع كله . فالإنسان إذا عصى وعرف أنه لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار ، يتمادى في إجرامه ، لأنه ما دام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة ، فإنه يتمادى في المعصية ، لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة . مَنْ الذي سيعاني في هذه الحالة ؟ إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي . وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة لأنهم أهل خير وتسامح ولأن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالعفو ، والصفح . واقرأ قوله تبارك وتعالى : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 22 ] . وقوله تعالى : { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ … } [ البقرة : 237 ] . وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنين على العفو ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها : " أوصاني بالإخلاص في السر وفي العلانية ، والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني ، وأعطي مَنْ حرمني ، وأصل مَنْ قطعني ، وأن يكون صمتي فكراً ونطقي ذكراً ، ونظري عبراً " . فالتوبة لو لم تشرع لعانى المجتمع كله ، وخاصة المؤمنين الذين أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح والظلم بالعفو . ولذلك كان تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى ، رحمة بالناس كلهم . والله جل جلاله شرع التوبة أولاً ، ثم بعد أن شرعها تاب العاصي ، ثم بعد ذلك يقبل الله التوبة أو لا يقبلها تبعاً لمشيئته . واقرأ قوله تعالى : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ التوبة : 118 ] . آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه ، أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول الله سبحانه وتعالى هذه التوبة ؟ إن بعض الناس يقول إن آدم قد عصى وتاب الله عليه . وإبليس قد عصى فجعله الله خالداً في النار . نقول : إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم ؟ أكل من الشجرة المحرمة . وعندما علم أنه أخطأ وعصى ، لم يصر على المعصية ، ولم يرد الأمر على الآمر ، ولكنه قال يا رب أمرك ومنهجك حق ، ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني . اعترف آدم بذنبه ، واعترف بضعفه ، واعترف بأن المنهج حق ، وطلب التوبة من الله سبحانه وتعالى ، ولكن إبليس رد الأمر على الآمر . قال : { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] وقال : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] وقال : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 83 ] وقال : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] فإبليس هنا رد الأمر على الآمر ، لم يعترف بذنبه . ويقول يا رب غلبني ضعفي ، وأنت الحق وقولك الحق . ولكنه رد الأمر على الله تعالى وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل كذا ، وهذا كفر بالله . إياك أن ترد الأمر على الله سبحانه وتعالى ، فإذا كنت لا تصلي ، لا تقل وما فائدة الصلاة . وإذا لم تكن تزكي ، فلا تقل تشريع الزكاة ظلم للقادرين . وإذا كنت لا تطبق شرع الله ، فلا تقل إن هذه الشريعة لم تعد تناسب العصر الحديث ، فإنك بذلك تكون قد كفرت والعياذ بالله ، ولكن قل يا ربي إن فرض الصلاة حق ، وفرض الزكاة حق ، وتطبيق الشريعة حق ، ولكنني لا أقدر على نفسي ، فارحم ضعفي يا رب العالمين . إن فعلت ذلك ، تكن عاصياً فقط . إن الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس . أن آدم اعترف بمعصيته وذنبه ، ولكن إبليس رد الأمر على الآمر . فيكون آدم قد عصى ، وإبليس قد كفر والعياذ بالله . ويقول الحق سبحانه وتعالى : { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 37 ] هذه الكلمات التي تلقاها آدم أراد العلماء أن يحصروها . ما هذه الكلمات ؟ هل هي قول آدم كما جاء في قوله تعالى : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] . هذه الآية الكريمة دلتنا على أن ذنب آدم لم يكن من ذنوب الاستكبار ، ولكن من ذنوب الغفلة … بينما كان ذنب إبليس من ذنوب الاستكبار على أمر الله ، ولكن آدم عندما عصى حدث منه انكسار . فقال : يا ربي أمْرُكَ بأَلاَّ أقرب الشجرة حق ، ولكني لم أقدر على نفسي . فآدم أقر بحق الله في التشريع . بينما إبليس اعترض على هذا الأمر وقال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] . الكلمات التي تلقاها آدم من الله سبحانه وتعالى قد تكون : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] وقد تكون : … اللهم لا إله إلا أنت سبحانك ربي وبحمدك . إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي يا خير الغافرين … أو اقبل توبتي يا خير التوابين … أو قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله … المهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى لآدم بكلمات يتقرب بها إليه سواء كانت هذه الآية الكريمة أو كلمات أخرى . لو نظرنا إلى تعليم الله آدم لكلمات ليتوب عليه ، لوجدنا مبدأ مهماً في حياة المجتمع ، لأن الله سبحانه وتعالى كما قلنا : لو لم يشرع التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها ، لكان الذي يذنب ذنباً واحداً لا يرجع عن المعصية أبداً ، وكان العالم كله سيعاني . والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم يخلقنا مقهورين . القهر يثبت صفة القدرة لله ، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي عن حب وليس عن قهر ، ولذلك خلقنا مختارين ، وجعل لنا طاقة تستطيع أن تعصي وأن تطيع . وما دام هناك اختيار ، فالإنسان يختار هذه أو تلك . إن الله لم يخلق بشراً يختارون الخير على طول الخط وبشراً يختارون الشر في كل وقت . فهناك من الخيرين مَنْ يقع في الشر مرة ، وهناك من الشريرين مَنْ يعمل الخير مرة . فالعبد ليس مخلوقاً أن يختار خيراً مطلقاً ، أو أن يختار شراً مطلقاً … ولذلك فأحياناً ننسى أو نسهو ، أو نعصي . وما دام العبد معرضاً للخطيئة ، فالله سبحانه وتعالى شرع التوبة ، حتى لا ييأس العبد من رحمة الله ، ويتوب ليرجع إلى الله . وقد جاء في الحكمة : " رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً " . وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في الحياة ، لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه ، فقد أخطأ وعلمه الله تعالى كلمات التوبة . فتاب فتقبل الله توبته . وقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 37 ] … كلمة تواب تدل على أن الله تعالى لا يأخذ عباده بذنب واحد . لأنه سبحانه وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان تواباً . والمبالغة في الصفة تأتي من ناحيتين : أولاً إن الأمر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من الأشخاص ، أو من شخص واحد ، أو أن الأمر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين . فإذا قلت مثلاً : فلان أكول ، قد يكون أكولاً لأنه يأكل كمية كبيرة من الطعام ، فيسمى أكولاً … إنه لا يتجاوز طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للإنسان ، ولكنه يأكل كمية كبيرة ، فنسميه أكولاً ، فيأكل مثلاً عشرة أرغفة في الإفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء . وقد يكون الإنسان أكولاً إذا تكرر الفعل نفسه … كأن يأكل كميات الطعام العادية ولكنه يأكل في اليوم خمس عشرة مرة مثلاً ، فالله سبحانه وتعالى تواب لأن خلقه كثيرون . فلو اخطأ كل واحد منهم مرة ، يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب الله عليها كمية هائلة . فإذا وُجِدَ مَنْ يذنب عدة مرات في اليوم ، فإن الله تعالى ، يكون تواباً عنه أيضاً إذا تاب واتجه إليه . إذن مرة تأتي المبالغة في الحدث وإن كان الذي يقوم به شخص واحد ، ومرة تأتي المبالغة في الحدث لأن مَنْ يقوم به أفراد متعددون . إذن : فآدم أذنب ذنباً واحداً يقتضي أن يكون الله تائباً ، ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقاً كثيراً … فتأتي المبالغة من ناحية العدد . وقوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 37 ] سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لأن ابنها ضبط سارقاً . وقالت لعمر ما سرق ابني إلا هذه المرة . فقال لها عمر : الله أرحم بعبده من أن يأخذه من أول مرة . لابد أنه سرق من قبل . وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة . كلمة " تواب " تدل على أنه يضبط بعد مرتين أو ثلاث ، فالله يستر عبده مرة ومرة ، ولكن إذا ازداد وتمادى في المعصية ، يوقفه الله عند حده . وهذا هو معنى تواب . والحق سبحانه وتعالى تواب برحمته ، لأن هناك مَنْ يعفو ويظل يمن عليك بالعفو . حتى أن المعفو عنه يقول : ليتك عاقبتني ولم تمن عليَّ بالعفو كل ساعة ، ولكن الحق سبحانه وتعالى ، تواب رحيم ، يتوب على العبد ، ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه .