Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 42-42)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن حذر الحق سبحانه وتعالى اليهود من أن يبيعوا دينهم بثمن قليل وهو المال أو النفوذ الدنيوي . قال تعالى : { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } [ البقرة : 42 ] مادة تلبس مأخوذة من اللباس الذي نرتديه . واللبس هو التغطية أو التعمية بأن نخفي الحق ولا نظهره . فاللباس تغليف للجسم يستره فلا يبين تفصيلاته . والحق هو القضية الثابتة المقدرة التي لا تتغير . فلنفرض أننا شهدنا شيئاً يقع ، ثم روى كل منا ما حدث . إذا كنا صادقين لن يكون حديثنا إلا مطابقاً للحقيقة . ولكن إذا كان هناك مَنْ يحاول تغيير الحقيقة فيكون لكل منا رواية . وهكذا فالحق ثابت لا يتغير . في التوراة آيات لم يحرفها اليهود ، وآيات محرفة . كل الآيات التي تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه وأنه النبي الخاتم … حرفها اليهود . والآيات التي لا تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرفوها … فكأنهم خلطوا الحق بالباطل … ما الذي جعلهم يدخلون الباطل ويحاولون إخفاء الحقائق ؟ المصلحة الأولى : ليشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ، والباطل هو ما لا واقع له . ولذلك فإن أبواب الباطل متعددة . وباب الحق واحد . فالله سبحانه وتعالى يريد أن يبلغنا أن اليهود قد وضعوا في التوراة باطلاً لم يأمر به الله . وكتموا الحقيقة عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم . ولكن هل فعلوا ذلك عن طريق الخطأ أو السهو أو النسيان ؟ لا بل فعلوه وهم يعلمون . نأتي مثلاً إلى قول الحق تبارك وتعالى لليهود : { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ البقرة : 58 ] . وحطة أي حط عنا يا رب ذنوبنا . يأتي اليهود ويغيرون قول الله . فبدلاً من أن يقولوا حطة ، يقولوا حنطة . مَنْ يسمع هذا اللفظ قد لا يتنبه ويعتقد أنهم قالوا ما أمرهم الله به . مع أن الواقع أنهم حرفوه . ولذلك عندما كانوا يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : راعنا ليا بألسنتهم . وكان المفروض أن يقولوا راعينا ، ولكنهم قالوا راعنا من الرعونة … والله تعالى نبه المؤمنين برسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقولوا مثلهم . فقال جل جلاله : { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 42 ] . أي اتركوا هذه الكلمة نهائياً ، هذا لبس الحق بالباطل . إذن فاليهود ألبسوا الحق بالباطل . والإنسان لا يلبس الحق بالباطل … إلا إذا كان لا يستطيع مواجهة الحق ، لأن عدم القدرة على مواجهة الحق ضعف نَفِرُّ منه إلى الباطل ، لأن الحق يتعب صاحبه ، والإنسان لا يستطيع أن يَحْمل نفسه على الحق . وقوله تعالى : { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 42 ] أي أنهم يفعلون ذلك عن عمد وليس عن جهل . فقد يكتم الإنسان حقاً وهو لا يعلم أنه الحق . ولكن إذا كنت تعلمه فتلك هي النكبة لأنك تخفيه عامداً متعمداً ، أو وأنتم تعلمون . قد يكون معناها أن اليهود - وهم أهل كتاب - يعلمون ما سيصيبهم في الآخرة من العذاب الأليم بسبب إخفائهم الحق . فهم لا يجهلون ماذا سيحدث في الآخرة ، ولكنهم يقدمون على عملهم مع علمهم أنه خطأ فيكون العذاب حقاً .