Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يدَّعي بعض الناس أن هناك تكراراً للآيات السبع التي سبق فيها تذكير بني إسرائيل . نقول : لا . لم تتكرر هذه الآيات … وهي قوله تعالى : { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ * وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ * وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ * أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 40 - 46 ] . هذه الآيات السبع كلها تذكر بني إسرائيل برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي جاء وصف صفاته وزمنه في التوراة ولتذكيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نعمة إليهم وإلى الناس جميعاً . وإذا كان الله قد فضل بني إسرائيل بأن أرسل إليهم رسلاً . فليس معنى ذلك أن ينكروا نعمة الله عليهم بالرسول الخاتم . وبما أن أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرت في التوراة وطلب منهم أن يؤمنوا به وينصروه فإن عدم إيمانهم به هو كفر بالتوراة . كما أن الإنجيل بَشَّرَ بمحمد صلى الله عليه وسلم وطلب منهم أن يؤمنوا به . فعدم إيمانهم به كفر بالإنجيل . وقوله تعالى : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 47 ] أي اذكروا أنني جعلت في كتابكم ما يثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته . والمعنى اذكروا نعمتي بأني فضلتكم على العالمين ممَّنْ عاصروكم وقت نزول رسالة موسى . وجعلت منكم الأنبياء . وما دام الحق سبحانه وتعالى قد فضلهم على العالمين … فكيف يَمُنُّ عليهم ؟ نقول المَنُّ هنا لشدة النكاية بهم . فالله سبحانه وتعالى لشدة معصيتهم وكفرهم جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت . واقرأ قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] . وقوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 60 ] . فالله سبحانه وتعالى يبين لنا كيف كفر بنو إسرائيل بأنبيائهم وقتلوهم رغم أن الله تعالى أعطاهم خيراً كثيراً … لكنهم نكثوا العهد … فاستحقوا العذاب . فهم لم يجعلوا نعمة الله عليهم سبباً في إخلاصهم والإيمان به سبحانه وتصديق منهجه ، وتصديق الرسول الخاتم الذي ذُكر عندهم في التوراة . كان يجب أن يؤمنوا بالله وأن يذكروا نعمه الكثيرة التي تفضل بها عليهم . والحق يريد أن يلفتنا إلى أنه ما دام قد أنعم عليهم . . فلا يظنون أنهم غير مطالبين بالإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام . إنما كان لابد أن يفهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليصحح لهم كتابهم ، ويوضح لهم الطريق الصحيح … فكان يجب عليهم أن ينصروه . والنعمة لا يمكن أن تستمر مع الكفر بها ، وحتى لا نظن أن الله سبحانه وتعالى قد قسا عليهم بأن جعلهم أمما متفرقة في الأرض كلها . ثم بعد ذلك يُجْمَعون في وطن واحد ليقتلوا … واقرأ قوله تعالى : { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ … } [ الإسراء : 104 ] . أي أرض تلك التي طلب الله سبحانه وتعالى من بني إسرائيل أن يسكنوها ؟ ما دام الحق سبحانه وتعالى قال : { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } [ البقرة : 47 ] فهل الأرض كل الأرض . وهل تكون الأرض كلها وطناً لليهود ؟ طبعاً لا . ولكن الحق سبحانه كتب عليهم أن يتفرقوا في الأرض . فلا تكون لهم دولة إلا عندما يشاء الله أن يجمعهم في مكان واحد ، ثم يسلط عليهم عباده المؤمنين . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } [ الإسراء : 4 - 6 ] . هذه هي المرة الأولى التي انتصر فيها المسلمون على اليهود . يقول الحق سبحانه وتعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } [ الإسراء : 6 ] وما دام الحق سبحانه وتعالى قال عليهم فهي على المسلمين . لأنهم هم الذين انتصروا على اليهود . وقوله تعالى : { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } [ الإسراء : 6 ] معناها أنهم ينتصرون على المسلمين وهذا ما هو حادث الآن ، وما شاهدناه وما نشاهده في الفترة الأخيرة . أي أن المدد والقوة تأتيهم من الخارج وليس من ذاتهم . ونحن نرى أن إسرائيل قائمة على جلب المهاجرين اليهود من الدول الأخرى ، وجلب الأموال والمساعدات من الدول الأخرى أيضاً . أي أن كل هذا يأتيهم بمدد من الخارج ، وإسرائيل لا تستطيع أن تعيش إلا بالمهاجرين إليها ، وبالمعونات التي تأتيها . فالمدد لابد أن يأتي من الخارج . إذا كانت هناك معركة وطلب قائد المدد ، فمعناه أنه يريد رحالاً يأتونه من خارج أرض المعركة ليصبحوا مدداً وقوة لهذا الجيش . وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } [ الإسراء : 6 ] النفير هو الصوت العالي الذي يجذب الانتباه . ونحن نرى الآن أن إسرائيل تسيطر على وسائل الإعلام والدعاية في العالم ، وأن صوتها عال ومسموع … ويقول الحق سبحانه وتعالى : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الإسراء : 7 ] … ومعنى هذا أن المسجد الأقصى سيضيع من المسلمين ويصبح تحت حكم اليهود فيأتي المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ويقول الله تعالى : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [ الإسراء : 7 ] واللفيف هو الجمع غير المتجانس الذي يتنافر مع نفسه ومع مَنْ حوله . وبما أن الله سبحانه وتعالى قد قضى أن يحدث قتال بين اليهود وبين المسلمين … يستعيد فيه المسلمون المسجد الأقصى . فكان لابد أن يجمعهم في مكان واحد . لأنهم لو بقوا كجاليات متفرقة في كل دول العالم ومعزولة عن المجتمعات التي يعيشون فيها لاقتضى ذلك أن يحارب المسلمون العالم كله . ولكن الله سبحانه وتعالى سيأتي بهم من كل دولة إلى المكان الذي فيه بيت المقدس حتى يمكن أن يحاربهم المسلمون ، وأن يدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة . فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم . وبمعاصيهم وكفرهم حتى لا يقول أحد إن الله سبحانه كان قاسياً عليهم لأنهم هم الذين كفروا ، وهم الذين عصوا وأفسدوا في الأرض . فاستحقوا هذا العقاب من الله سبحانه وتعالى .