Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 46-46)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن أوضح لنا الحق سبحانه وتعالى أن الصبر والصلاة كبيرة إلا على كل مَنْ خشع قلبه لله . فهو يقبل عليها بحب وإيمان ورغبة . أراد أن يعرفنا مَنْ هم الخاشعون . فقال جل جلاله : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] . ما هو الظن ؟ سبق أن تحدثنا عن النسب . وقلنا هناك نسبة أنا جازم بها والواقع يصدقها . عندما أقول مثلاً : محمد مجتهد . فإذا كان هناك شخص اسمه محمد ومجتهد . أكون قد جزمت بواقع . فهذه نسبة مجزوم بها بشرط أن أستطيع أن أدلل على صدق ما أقول . فإذا كنت جازماً بالنسبة على صدق ما أقول … فهذا تقليد . مثلما يقول ابنك البالغ من العمر ست سنوات مثلاًَ : لا إله إلا الله محمد رسول الله . ولكن عقله الصغير لا يستطيع أن يدلل على ذلك ، وإنما هو يقلد أباه أو مدرسيه . فإذا كنت جازماً بالشيء وهو ليس له وجود في الواقع ، فهذا هو الجهل . والجاهل شر من الأمي . لأن الجاهل مؤمن بقضية لا واقع لها . ويدافع عنها . أما الأمي … فهو لا يعلم ، ومتى علم فإنه يؤمن . ولذلك لابد بالنسبة للجاهل أن تخرج الباطل من قلبه أولاً ليدخل الحق . وإذا كانت القضية غير مجزوم بها ومتساوية في النفي والوجود ، فإن ذلك يكون شكاً . فإذا رجحت إحدى الكفتين على الأخرى يكون ذلك ظناً . والحق سبحانه وتعالى يقول : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } [ البقرة : 46 ] ولم يقل : الذين تيقنوا أنهم ملاقوا ربهم … لماذا لم يستخدم الحق تعالى لفظ اليقين وأبدله بالظن ؟ لأن مجرد الظن أنك مُلاقٍ الله سبحانه وتعالى … كافٍ أن يجعلك تلتزم بالمنهج . فما بالك إذا كنت متيقنا . فمجرد الظن يكفي . وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثلاً - ولله المثل الأعلى - نقول : هب أنك سائر في طريق . وجاء شخص يخبرك بأن هذا الطريق فيه لصوص وقطاع طرق . فمجرد هذا الكلام يجعلك لا تمشي في هذا الطريق إلا إذا كنت مسلحاً ومعك شخص أو اثنان . فأنت تفعل ذلك للاحتياط . إذن فمجرد الظن دفعنا للاحتياط … إذن فقوله تعالى : { يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] فمجرد أن القضية راجحة ، هذا يكفي لاتباع منهج الله . فتقي نفسك من عذاب عظيم . ويقول المعرّي في آخر حياته : @ زعم المنجّم والطبيب كلاهما لا تحشر الأجساد قلتُ إليكما إن صحّ قولكما فلسْت بخاسرٍ أو صح قولي فالخسارُ عليكما @@ فكل مكذب بالآخرة خاسر . والنفس البشرية لابد أن تحتاط للقاء الله . وأن تعترف أن هناك حشراً وتعمل لذلك . والحق سبحانه وتعالى يقول : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 46 ] والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى أمر يقيني . فما دمت قد جئت إلى الدنيا مخلوقاً من الله … فأنت لا محالة سترجع إليه . وهذا اليوم … يجب أن نحتاط له حيطة كبرى ، وأن نترقبه لأنه يوم عظيم … والحق سبحانه يقول : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 1 - 2 ] . ويقول جل جلاله : { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [ المزمل : 17 ] . إذا كان هذا حالنا يوم القيامة ، فكيف لا يكفي مجرد الظن لأن نتمسك بمنهج الله . ونحن نحتاط لأحداث دنيوية لا تساوي شيئاً بالنسبة لأهوال يوم القيامة . إن الظن هنا بأننا سنلاقي الله تعالى يكفي لأن نعمل له ألف حساب .