Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة يعطينا صفات أخرى من صفات المؤمنين … فبعد أن أبلغنا أن من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله … يأتي بعد ذلك إلى صفات أخرى . فهؤلاء المؤمنون هم : { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ … } [ البقرة : 4 ] أي بالقرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى … و { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ … } [ البقرة : 4 ] وهذه لم تأت في وصف المؤمنين إلا في القرآن الكريم … ذلك أن الإسلام عندما جاء كان عليه أن يواجه صنفين من الناس … الصنف الأول هم الكفار وهم لا يؤمنون بالله ولا برسول مُبَلِّغ عن الله … وكان هناك صنف آخر من الناس … هم أهل الكتاب يؤمنون بالله ويؤمنون برسل عن الله وكتب عن الله . والإسلام واجه الصنفين … لأن أهل الكتاب ربما ظنوا أنهم على صلة بالله … يؤمنون به ويتلقون منه كتباً ويتبعون رسلاً وهذا في نظرهم كاف … نقول لا ، فالإسلام جاء ليؤمن به الكافر ، ويؤمن به أهل الكتاب ، ويكون الدين كله لله . والله سبحانه وتعالى في كتبه التي أنزلها أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن اسمه وأوصافه ، وطلب من أهل الكتاب الذين سيدركون رسالته صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به . ولقد أعطى الله جل جلاله أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب حتى إنهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، بل كانت معرفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزمنه وأوصافه معرفة يقينية … وكان يهود المدينة يقولون للكفار … أَطَلَّ زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم … فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أول مَنْ حاربه وأنكر نبوته … فأوصاف رسول الله عليه الصلاة والسلام موجودة في التوراة والإنجيل … ولذلك كان بعض أهل الكتاب من اليهود ينذرون الكفار بأنهم سيؤمنون بالرسول الجديد ويسودون به العرب … واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 89 ] . أي أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن مفاجئة لأهل الكتاب بل كانوا ينتظرونها … كانوا يؤكدون أنهم سيؤمنون بها كما تأمرهم بها كتبهم … ولكنهم رفضوا الإيمان وأنكروا الرسالة عندما جاء زمنها . ثم يقول سبحانه وتعالى : { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [ البقرة : 4 ] ونلاحظ هنا أن كلمة { وَبِٱلآخِرَةِ } [ البقرة : 4 ] قد جاءت … لأنك اذا تصفحت التوراة التي هي كتاب اليهود ، أو قرأت التلمود لا تجد شيئاً عن اليوم الآخر . . فقد أخذوا الأمر المادي فقط من كتبهم … والله تبارك وتعالى أكد الإيمان باليوم الآخر حتى يعرف الذين يقولون آمنا بالله وكتبه ورسله ولا يلتفتون إلى اليوم الآخر ، أنهم ليسوا بمؤمنين ، فلو لم يجئ هذا الوصف في القرآن الكريم ربما قالوا إن الإسلام موافق لما عندنا ، ولكن الله جل جلاله يريد تصوير الإيمان تصويراً كمالياً بأن الإيمان بالله قمة ابتداء والإيمان باليوم الآخر قمة انتهاء … فمن لم يؤمن بالآخرة وأنه سيلقى الله وسيحاسبه … وأن هناك جنة ينعم فيها المؤمن ، وناراً يُعذَّبُ فيها الكافر يكون ايمانه ناقصاً ، ويكون قد اقترب من الكافر الذي جعل الدنيا غايته وهدفه . فالمؤمن يتبع منهج الله في الدنيا ليستحق نعيم الله في الآخرة … فلو أن الآخرة لم تكن موجودة ، لكان الكافر أكثر حظاً من المؤمن في الحياة … لأنه أخذ من الدنيا ما يشتهيه ولم يقيد نفسه بمنهج ، بل أطلق لشهواته العنان … بينما المؤمن قَيَّدَ حركته في الحياة طبقاً لمنهج الله وتعب في سبيل ذلك . ثم يموت الاثنان وليس بعد ذلك شيء … فيكون الكافر هو الفائز بنعم الدنيا وشهواتها . والمؤمن لا يأخذ شيئاً والأمر هنا لا يستقيم بالنسبة لقضية الإيمان … ولذلك كان الإيمان بالله قمة الإيمان بداية والإيمان بالآخرة قمة الإيمان نهاية .