Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 50-50)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مرة ثانية تأتي { وَإِذْ } . ويأتي الإنجاء وسيلة . هذه الوسيلة ذكرتها الآية الكريمة . فقد خرج موسى وقومه وكانوا ستمائة ألف كما تقول الروايات . وعرف فرعون بخروجهم فخرج وراءهم على رأس جيش من ألف ألف مليون . عندما رآهم قوم موسى كما يروي لنا القرآن الكريم : { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا … } [ الأعراف : 129 ] . وقال لهم موسى كما جاء في الكتاب العزيز : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 129 ] . وعندما جاء قوم فرعون بعددهم الضخم يقاومون قوم موسى وتراءى الجمعان أي أنهم رأوهم رؤية العين قال قوم موسى { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] . وهذا كلام منطقي . فأمامهم البحر ووراءهم فرعون وجنوده . ولكن حين تخرج الأحداث من نطاق الأسباب إلى قدرة المُسَبِّب فهي لا تخضع لأسباب الكون . ولذلك قال لهم موسى بملء فمه : { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . وبذلك نقل المسألة من الأسباب إلى المسبب تبارك وتعالى . فبمنطق الأحداث يكون فرعون وجنوده سيدركونهم . ولكن بمنطق الحق سبحانه وتعالى فإنه سيهيئ لهم طريق النجاة . وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى بأن يضرب بعصاه البحر فانفلق . وهكذا توقف قانون الماء وهو الاستطراق والسيولة . وانفلق البحر وأصبح كل جزء منه كالجبل . ذرات الماء تماسكت مع بعضها البعض لتكون جبلين كبيرين بينهما يابس يمر منه بنو إسرائيل . هذا هو معنى قوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [ البقرة : 50 ] والفرق هو الفصل بين شيئين … وإذا كان البحر قد انشق … فأين ذهب الطين المبتل في قاع البحر ؟ … قالوا إن الله أرسل ريحاً مرت عليه فجففته . ولذلك قال الحق جل جلاله : { طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } [ طه : 77 ] . ويقال إنه حين كان موسى وقومه يعبرون البحر سألوا عن بقية إخوانهم . فقال لهم موسى إنهم في طرق أخرى موازية لطريقنا . قالوا نريد أن نطمئن عليهم . فرفع موسى يده إلى السماء وقال اللهم أَعِنِّي على أخلاقهم السيئة . فأوحى الله إلى موسى أن يضرب بعصاه الحواجز فانفتحت طاقة بين كل ممر . فكانوا يرون بعضهم بعضاً . وعندما رأى موسى عليه السلام فرعون وجيشه يتجهون إلى البحر ليعبروه . أراد أن يضرب البحر ليعود إلى السيولة . فلا يلحق بهم آل فرعون . ولكن الله أوحى إليه : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] . أي اترك البحر على ما هو عليه . حتى يتبعكم قوم فرعون . ظانين أنهم قادرون على أن يسلكوا نفس الطريق ويمشوا فيه . وحينما يكون أولهم قريباً من شاطئكم وآخرهم عند الشاطئ الآخر . أعيد الماء إلى استطراقه . فأكون قد أنجيت وأهلكت بالسبب الواحد . فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يمنَّ على بني إسرائيل بأنه أنجاهم من العذاب وأهلك عدوهم . فكان العطاء عطاءين . عطاء إيجاب بأن أنجاهم . وعطاء سلب بأن أهلك عدوهم . وقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [ البقرة : 50 ] في هذه الآية لم يتحدث الحق جل جلاله عن فرعون . وإنما تحدث عن إغراق آل فرعون . لماذا ؟ لأن آل فرعون هم الذين أعانوه على جبروته وبطشه وطغيانه . هم الأداة التي استخدمها لتعذيب بني إسرائيل . والله سبحانه وتعالى أراد أن يرى بنو إسرائيل آل فرعون وهم يغرقون فوقفوا يشاهدونهم . وأنت حين ترى مصرع عدوك . تشعر بالمرارة التي في قلبك تزول . { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [ البقرة : 50 ] تحتمل معنى آخر . أي ينظر بعضكم إلى بعض وأنتم غير مصدقين أنكم نجوتم من هذا البلاء العظيم . وفي نفس الوقت تطمئنون وأنتم تشاهدونهم وهم يغرقون دون أن ينجو منهم أحد حتى لا يدخل في قلوبكم الشك . إنه ربما نجى بعضهم وسيعودون بجيش ليتبعوكم .