Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-83)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخذ الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل ثمانية أشياء : الميثاق … وهو العهد الموثق المربوط ربطاً دقيقاً وهو عهد الفطرة أو عهد الذر … مصداقاً لقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ … } [ الأعراف : 172 ] . وهناك عهد آخر أخذه سبحانه وتعالى على رسله جميعاً … أن يبشروا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم … ويطلبوا من أتباعهم أن يؤمنوا به عند بعثه … أو ألا يكتموا ما في كتبهم وإلا يغيروه … والميثاق هو كل شيء فيه تكليف من الله … ذلك أنك تدخل في عقد إيماني مع الله سبحانه وتعالى بأن تفعل ما يأمر به وتترك ما نهى عنه … هذا هو الميثاق … كلمة الميثاق وردت في القرآن الكريم بوصف غليظ … في علاقة الرجل بالمرأة … قال سبحانه وتعالى : { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ النساء : 20 - 21 ] . نقول نعم لأن هذا الميثاق سيحل للمرأة أشياء لا تكون إلا به … أشياء لا تحل لأبيها أو لأخيها أو أي إنسان عدا زوجها … والرجل إذا دخل على ابنته وكانت ساقها مكشوفة تسارع بتغطيتها … فإذا دخل عليها زوجها فلا شيء عليها … إذن هو ميثاق غليظ لأنه دخل مناطق العورة وأباح العورة للزوج والزوجة … ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ … } [ البقرة : 187 ] . إن كلا منهما يغطي ويخفي ويستر عورة الآخر … والأب لا يفرح من انتقال ولاية ابنته إلى غيره … إلا انتقال هذه الولاية لزوجها … ويشعر بالقلق عندما تكبر الفتاة ولا تتزوج . الحق يقول : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } [ البقرة : 83 ] هذا الميثاق شمل ثلاثة شروط : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } [ البقرة : 83 ] … أي تعبدون الله وحده … وتؤمنون بالتوراة وبموسى نبياً … لماذا ؟ لأن عبادة الله وحده هي قمة الإيمان … ولكن لا تحدد أنت منهج عبادته سبحانه … بل الذي يحدد منهج العبادة هو المعبود وليس العابد … لابد أن تتخذ المنهج المنزل من الله وهو التوراة وتؤمن به … ثم بعد ذلك تؤمن بموسى نبياً … لأنه هو الذي نزلت عليه التوراة … وهو الذي سيبين لك طريق العبادة الصحيحة . وبدون هذه الشروط الثلاثة لا تستقيم عبادة بني إسرائيل … وقوله تعالى : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ البقرة : 83 ] لأنهما السبب المباشر في وجودك … ربياك وأنت صغير ، ورعياك ، وقوله تعالى : " إحساناً " معناه زيادة على المفروض . لأنك قد تؤدي الشيء بالقدر المفروض منك … فالذي يؤدي الصلاة مثلاً بقدر الغرض يكون قد أدى … أما الذي يصلي النوافل ويقوم الليل يكون قد دخل في مجال الإحسان … أي عطاؤه أكثر من المفروض … والله تبارك وتعالى يقول : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 15 - 19 ] . وهكذا نرى أن الإحسان زيادة على المفروض في الصلاة والتسبيح والصدقة والله تبارك وتعالى يريد منك أن تعطي لوالديك أكثر من المفروض أو من الواجب عليك … وقوله تعالى : { وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ البقرة : 83 ] … يحدد الله لنا فيها المرتبة الثانية بالنسبة للإحسان … فالله جل جلاله أوصانا أن نحسن لوالدينا ونرعى أقاربنا … ولو أن كل واحد منا قام بهذه العملية ما وُجِدَ محتاج أو فقير أو مسكين في المجتمع … والله يريد مجتمعاً لا فقر فيه ولا حقد … وهذا لا يتأتى إلا بالتراحم والإحسان للوالدين والأقارب … فيكون لكل محتاج في المجتمع مَنْ يكفله … يقول الله سبحانه : " واليتامى " … واليتيم هو من فقد أباه وهو طفل لم يبلغ مبلغ الرجال … هذا في الإنسان … أما في الحيوان فإن اليتيم من فقد أمه … لأن الأمومة في الحيوان هي الملازمة للطفل ، ولأن الأب غير معروف في الحيوان ولكن الأم معروفة … اليتيم الذي فقد أباه فقد من يعوله ومن يسعى من أجله ومن يدافع عنه … والله سبحانه وتعالى جعل الأم هي التي تربي وترعى … والأب يكافح من أجل توفير احتياجات الأسرة … ولكن الحال انقلب الآن ولذلك يقول شوقي رحمه الله : @ لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفََاهُ ذَلِيلاَ إِنّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ أُمَّاَ تَخَلَّتْ أَوْ أَباًً مَشْغُولاَ @@ إن اليتيم يكون منكسراً لأنه فقد والده فأصبح لا نصير له … فإذا رأينا في المجتمع الإسلامي أن كل يتيم يرعاه - رعاية الأب - كل رجال المجتمع … فذلك يجعل الأب لا يخشى أن يترك إبنه بعد وفاته … إذن فرعاية المجتمع لليتيم تضمن أولاً حماية حقه ، لأنه إذا كان يتيماً وله مال فإن الناس كلهم يطمعون في ماله ، لأنه لا يقدر أن يحميه … هذه واحدة … والثانية أن هذا التكافل يُذْهِب الحقد من المجتمع ويجعل كل إنسان مطمئناً على أولاده … وقوله سبحانه وتعالى : " والمساكين " … في الماضي كنا نقول إن المساكين هم الذين لا يملكون شيئاً على الإطلاق ليقيموا به حياتهم … إلى أن نزلت الآية الكريمة في سورة الكهف : { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ … } [ الكهف : 79 ] . فعرفنا أن المسكين قد يملك … ولكنه لا يملك ما يكفيه … وهذا نوع من التكافل الإجتماعي لابد أن يكون موجوداً في المجتمع … حتى يتكافل المجتمع كله … فأنت إن كنت فقيراً أو مسكيناً ويأتيك من رجل غني ما يعينك على حياتك … فإنك ستتمنى له الخير لأن هذا الخير يصيبك … ولكن إذا كان هذا الغني لا يعطيك شيئاً … هو يزداد غنى وأنت تزداد فقراً … تكون النتيجة أن حقدك يزداد عليه … ويقول الحق سبحانه وتعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [ البقرة : 83 ] … كلمة حسناً بضم الحاء ترد بمعنى حسن بفتح الحاء … والحسن هو ما حسنه الشرع … ذلك أن العلماء اختلفوا : هل الحسن هو ما حسَّنه الشرع أو ما حسنه العقل ؟ نقول : ما حسنه العقل مما لم يرد فيه نص من تحسين الشرع … لأن العقل قد يختلف في الشيء الواحد … هذا يعتبره حسناً وهذا يعتبره قبيحاً … والله تبارك وتعالى يقول : { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } [ النحل : 125 ] . هذا هو معنى قوله تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [ البقرة : 83 ] … ثم جاء قوله جل جلاله : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ البقرة : 83 ] وقد تكلمنا عن معنى إقامة الصلاة وما يجعلها مقبولة عند الله . وهناك فرق بين أن تقول صلوا … وبين أن تقول أقيموا الصلاة … أقيموا الصلاة معناها صلّ ولكن صلاة على مستواها الذي يطلب منك … وإقامة الصلاة كما قلنا هي الركن الذي لا يسقط أبداً عن الإنسان … ويقول الحق : { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } [ البقرة : 83 ] … بالنسبة للزكاة عندما يقول الله سبحانه : { وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } [ البقرة : 83 ] … نقول إن الأقارب واليتامى والمساكين لهم حق في الزكاة ما داموا فقراء … لنحس جميعاً أننا نعيش في بيئة إيمانية متكاملة متكافلة … يحاول كل منا أن يعاون الآخر … فالزكاة في الأساس تعطي للفقير ولو لم يكن يتيماً أو قريباً … فإن لكل فقير حقوقاً ورعاية … فإذا كان هناك فقراء أقارب أو يتامى يصبح لهم حقان … حق القريب وحق الفقير … وإن كان يتيماً فله حق اليتيم وحق الفقير … بعد أن ذكر الحق سبحانه وتعالى عناصر الميثاق الثمانية … قال : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } [ البقرة : 83 ] … تولى يعني أعرض أو لم يُطعْ أو لم يستمع … يقول الحق سبحانه : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } [ البقرة : 83 ] … هذا هو واقع تاريخ بني إسرائيل … لأن بعضهم تولى ولم يطع الميثاق وبعضهم أطاع … إن القرآن لم يشن حملة على اليهود ، وإنما شن حملة على المخالفين منهم . ولذلك احترم الواقع وقال : { إِلاَّ قَلِيلاً } [ البقرة : 83 ] . . وهذا يقال عنه بالنسبة للبشر قانون صيانة الاحتمال … إن الحق جل جلاله يتكلم بإنصاف الخالق للمخلوق … لذلك لم يقل { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } [ البقرة : 83 ] بل قال إلا قليلاً . " توليتم " يعني أعرضتم ، ولكن الله تبارك وتعالى يقول : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } [ البقرة : 83 ] نريد أن نأخذ الدقة الأدائية … إذا أردنا أن نفسر توليّ … فمعناها أعرض أو رفض الأمر … ولكن الدقة لو نظرنا للقرآن لوجدنا أنه حين يلتقي المؤمن بالكافر في معركة … فالله سبحانه وتعالى يقول : { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ … } [ الأنفال : 16 ] . إذن فالتولي هو الإعراض … والحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة بين لنا أن الإعراض يتم بنوايا مختلفة … المقاتل يوم الزحف يعرض أو يتولى ليس بنية الهرب من المعركة … ولكن بنية أن يذهب ليقاتل في مكان آخر أو يعاون إخوانه الذين تكاثر عليهم الأعداء … هذا إعراض ولكن ليس بنية الهرب من المعركة … ولكن بنية القتال بشكل أنسب للنصر … نفرض أن إنساناً مدين لك رأيته وهو قادم في الطريق فتوليت عنه … أنت لم تعرض عنه كرهاً … ولكن رحمة لأنك لا تريد المساس بكرامته … إذن هناك تولٍّ أو إعراض ليس بنية الإعراض . والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هؤلاء اليهود تولوا بنية الإعراض ، ولم يتولوا بأي نية أخرى … أي أنهم أعرضوا وهم متعمدون أن يعرضوا … وليس لهدف آخر .