Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الله سبحانه وتعالى يذكر لنا كيف برر بنو إسرائيل عدم إيمانهم وقتلهم الأنبياء وكل ما حدث منهم … فماذا قالوا ؟ لقد قالوا { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [ البقرة : 88 ] والغلف مأخوذ من الغلاف والتغليف … وهناك غلْف بسكون اللام ، وغلُف بضم اللام … مثل كتاب وكتب { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [ البقرة : 88 ] أي مغلفة وفيها من العلم ما يكفيها ويزيد ، فكأنهم يقولون إننا لسنا في حاجة إلى كلام الرسل … أو { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [ البقرة : 88 ] أي مغلفة ومطبوع عليها … أي أن الله طبع على قلوبهم وختم عليها حتى لا ينفذ إليها شعاع من الهدية … ولا يخرج منها شعاع من الكفر . إذا كان الله سبحانه وتعالى قد فعل هذا … ألم تسألوا أنفسكم لماذا ؟ ما هو السبب ؟ والحق تبارك وتعالى يرد عليهم فيقول : { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 88 ] : لفظ " بل " يؤكد لنا أن كلامهم غير صحيح … فهم ليس عندهم كفاية من العلم بحيث لا يحتاجون إلى منهج الرسل … ولكنهم ملعونون ومطرودون من رحمة الله … فلا تنفذ إشعاعات النور ولا الهداية إلى قلوبهم … ولكن ذلك ليس لأن ختم عليها بلا سبب … ولكنه جزاء على أنهم جاءهم النور والهدى … فصدوه بالكفر أولاً … ولذلك فإنهم أصبحوا مطرودين من رحمة الله … لأن من يصد الإيمان بالكفر يطرد من رحمة الله ، ولا ينفذ إلى قلبه شعاع من أشعة الإيمان . وهنا يجب أن نتنبه إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يبدأهم باللعنة . وبعض الناس الذين يريدون أن يهربوا من مسئولية الكفر - علها تنجيهم من العذاب يوم القيامة - يقولون إن الله سبحانه وتعالى قال : { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ … } [ فاطر : 8 ] . تلك هي حجة الكافرين الذين يظنون أنها ستنجيهم من العذاب يوم القيامة … إنهم يريدون أن يقولوا إن الله يضل من يشاء … وما دام الله قد شاء أن يضلني فما ذنبي أنا ؟ وهل أستطيع أن أمنع مشيئة الله … نقول له : إن الله إذا قيد أمراً من الأمور المطلقة فيجب أن نلجأ إلى التقييد … والله تبارك وتعالى يقول : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ التوبة : 37 ] . ويقول سبحانه : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ التوبة : 19 ] . ويقول جل جلاله : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 24 ] . والحق سبحانه وتعالى أخبرنا أنه منع إعانته للهداية عن ثلاثة أنواع من الناس … الكافرين والظالمين والفاسقين … ولكن هل هو سبحانه وتعالى منع معونة الهداية أولاً ؟ أم أنهم هم الذين ارتكبوا من الضلال ما جعلهم لا يستحقون هداية الله ؟ ! إنسان واجه الله بالكفر . . كفر بالله … رفض أن يستمع لآيات الله ورسله … ورفض أن يتأمل في كون الله … ورفض أن يتأمل في خلقه هو نفسه ومن الذي خلقه … ورفض أن يتأمل في خلق السماوات والأرض … كل هذا رفضه تماماً … ومضى يصنع لنفسه طريق الضلال ويشرع لنفسه الكفر … لأنه فعل ذلك أولاً … ولأنه بدأ بالكفر برغم أن الله سبحانه وتعالى وضع له في الكون وفي نفسه آيات تجعله يؤمن بالله ، وبرغم ذلك رفض . هو الذي بدأ والله سبحانه وتعالى ختم على قلبه . الإنسان الظالم يظلم الناس ولا يخشى الله … يذكرونه بقدره الله وقوة الله فلا يلتفت … يختم الله على قلبه … كذلك الإنسان الفاسق الذي لا يترك منكراً إلا فعله … ولا إثماً إلا ارتكبه … ولا معصية إلا أسرع إليها … لا يهديه الله … أكنت تريد أن يبدأ هؤلاء الناس بالكفر والظلم والفسوق ويصرون عليه ثم يهديهم الله ؟ يهديهم قهراً أو قَسْراً ، والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ؟ طبعاً لا … ذلك يضيع الاختيار البشري في أن يطيع الإنسان أو يعصي . والحق تبارك وتعالى أثبت طلاقة قدرته فيما نحن مقهورون فيه … في أجسادنا التي تعمل أعضاؤها الداخلية بقهر من الله سبحانه وتعالى وليس بإرادة منا كالقلب والتنفس والدورة الدموية … والمعدة والأمعاء والكبد … كل هذا وغيره مقهور لله جل جلاله … لا نستطيع أن نأمره ليفعل فيفعل … وأن نأمره ألا يفعل فلا يفعل … وأثبت الله سبحانه وتعالى طلاقة قدرته فيما يقع علينا من أحداث في الكون … فهذا يمرض ، وهذا تدهمه سيارة ، وهذا يقع عليه حجر … وهذا يسقط ، وهذا يعتدي عليه إنسان … كل الأشياء التي تقع عليك لا دخل لك فيها ولا تستطيع أن تمنعها … بقي ذلك الذي يقع منك وأهمه تطبيق منهج الله في افعل ولا تفعل … هذا لك اختيار فيه . إن الله سبحانه وتعالى أوجد لك هذا الاختيار حتى يكون الحساب في الآخرة عدلاً … فإذا اخترت الكفر لا يجبرك الله على الإيمان … وإذا اخترت الظلم لا يجبرك الله على العدل … وإذا اخترت الفسوق لا يجبرك الله على الطاعة … إنه يحترم اختيارك لأنه أعطاك هذا الاختيار ليحاسبك عليه يوم القيامة . لقد أثبت الله لنفسه طلاقة القدرة بأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء . ولكنه سبحانه قال إنه لا يهدي القوم الكافرين ولا القوم الظالمين ولا القوم الفاسقين … فمن يرد أن يخرج من هداية الله فليكفر أو يظلم أو يفسق … ويكون في هذه الحالة هو الذي اختار فحق عليه عقاب الله … لذلك فقد قال الكافرون من بني إسرائيل إن الله ختم على قلوبهم فهم لا يهتدون ، ولكنهم هم الذين اختاروا هذا الطريق ومشوا فيه . . فاختاروا عدم الهداية … لقد أثارت هذه القضية جدلاً كبيراً بين العلماء ولكنها في الحقيقة لا تستحق هذا الجدل … فالله سبحانه وتعالى قال : { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } [ البقرة : 88 ] … واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله … ويتم ذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى … لأن الطرد يتناسب مع قوة الطارد . فمثلاً … ابنك الصغير يطرد حجراً أمامه تكون قوة الطرد متناسبة مع سنه وقوته … والأكبر أشد فأشد … فإذا كان الطارد هو الله سبحانه وتعالى فلا يكون هناك مقدار لقوة اللعن والطرد يعرفه العقل البشري . قوله تعالى : { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } [ البقرة : 88 ] … أي طردهم الله بسبب كفرهم … والله تبارك وتعالى لا يتودد للناس لكي يؤمنوا … ولا يريد للرسل أن يُتْعِبُوا أنفسهم في حمل الناس على الإيمان … إنما وظيفة الرسل هي البلاغ حتى يكون الحساب حقاً وعدلاً … واقرأ قوله جل جلاله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . أي أنهم لا يستطيعون ألا يؤمنوا إذا أردناهم مؤمنين قهراً … ولكننا نريدهم مؤمنين اختياراً … وإيمان العبد هو الذي ينتفع به … فالله لا ينتفع بإيمان البشر … وقولنا لا إله إلا الله لا يسند عرش الله … قلناها أو لم نقلها … فلا إله إلا الله … ولكننا نقولها لتشهد علينا يوم القيامة … نقولها لتنجينا من أهوال يوم القيامة ومن غضب الله … وقوله تعالى : " بكفرهم " يعطينا قضية مهمة هي : أنه تبارك وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك . فمن يشرك معه أحداً فهو لمن أشرك … لذلك يقول الحق جل جلاله في الحديث القدسي : " أنا أغنى الشركاءِ عن الشِّركِ من عَمِلَ عملاً أَشْرَكَ فيه معي غيري تركْتُهُ وشِركُه " وشهادة الله سبحانه وتعالى لنفسه بالألوهية … هي شهادة الذات للذات … وذلك في قوله تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ آل عمران : 18 ] . فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق خلقاً يشهدون أنه لا إله إلا الله … شهد لنفسه بالألوهية … ولنقرأ الآية الكريمة : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ … } [ آل عمران : 18 ] . والله سبحانه وتعالى شهد لنفسه شهادة الذات للذات . والملائكة شهدوا بالمشاهدة … وأولو العلم بالدليل … والحق تبارك وتعالى يقول : { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 88 ] … عندما تقول قليلاً ما يحدث كذا ، فإنك تقصد به هنا صيانة الاحتمال ، لأنه من الممكن أن يثوب واحد منهم إلى رشده ويؤمن … فيبقي اللهُ البابَ مفتوحاً لهؤلاء . ولذلك نجد الذين أسرفوا على أنفسهم في شبابهم قد يأتون في آخر عمرهم ويتوبون … في ظاهر الأمر أنهم أسرفوا على أنفسهم … ولكنهم عندما تابوا واعترفوا بخطاياهم وعادوا إلى طريق الحق تقبل الله إيمانهم … لذلك يقول الله جل جلاله : { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 88 ] أي أن الأغلبية تظل على كفرها … والقلة هي التي تعود إلى الإيمان .