Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 94-94)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والله سبحانه وتعالى يريد أن يفضح اليهود … ويبين أن إيمانهم غير صحيح وأنهم عدلوا وبدلوا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً … وهو سبحانه يريدنا أن نعرف أن هؤلاء اليهود … لم يفعلوا ذلك عن جهل ولا هم خُدعوا بل هم يعملون أنهم غيروا وبدلوا … ويعرفون أنهم جاءوا بكلام ونسبوه إلى الله سبحانه وتعالى زوراً وبهتاناً … ولذلك يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفضحهم أمام الناس ويبين كذبهم بالدليل القاطع … يقول : { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } [ البقرة : 94 ] : " قل " موجهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قل لهم يا محمد … ولا يقال هذا الكلام إلا إذا كانت اليهود قد قالوا إن لهم : { ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً } [ البقرة : 94 ] . الشيء الخالص هو الصافي بلا معكر أو شريك . أي الشيء الذي لك بمفردك لا يشاركك فيه أحد ولا ينازعك فيه أحد … فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : إن كانت الآخرة لهم وحدهم عند الله لا يشاركهم فيها أحد … فكان الواجب عليهم أن يتمنوا الموت ليذهبوا إلى نعيم خالد … فمادامت لهم الدار الآخرة وماداموا موقنين من دخول الجنة وحدهم … فما الذي يجعلهم يبقون في الدنيا … أَلاَ يتمنون الموت كما تمنى المسلمون الشهادة ليدخلوا الجنة … وليست هذه هي الافتراءات الوحيدة من اليهود على الله سبحانه وتعالى … واقرأ قوله جل جلاله : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ … } [ البقرة : 111 ] . من الذي قال ؟ اليهود قالوا عن أنفسهم لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً ، والنصارى قالوا عن أنفسهم لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً … كل منهم قال عن نفسه إن الجنة خاصة به . ولقد شكل قولهم هذا لنا لغزاً في العقائد … من الذي سيدخل الجنة وحده … اليهود أم النصارى ؟ نقول : إن الله سبحانه وتعالى أجاب عن هذا السؤال بقوله جل جلاله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ … } [ البقرة : 113 ] . وهذا أصدق قول قالته اليهود وقالته النصارى بعضهم لبعض . فاليهود ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء … وكلاهما صادق في مقولته عن الآخر … في الآية الكريمة التي نحن بصددها … اليهود قالوا إن الدار الآخرة خالصة لهم … سنصدقهم ونقول لهم لماذا لا يتعجلون ويتمنون الموت … فالمفروض أنهم يشتاقون للآخرة ما دامت خالصة لهم … ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : 94 ] … ولكنها أمانٍ كاذبة عند اليهود وعند النصارى . . واقرأ قوله سبحانه : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ المائدة : 18 ] . إذن هم يتوهمون أنهم مهما فعلوا من ذنوب فإن الله لن يعذبهم يوم القيامة … ولكن عدل الله يأبى ذلك … كيف يعذب بشراً بذنوبهم ثم لا يعذب اليهود بما اقترفوا من ذنوب … بل يدخلهم الجنة في الآخرة … وكيف يجعل الله سبحانه وتعالى الجنة في الآخرة لليهود وحدهم … وهو قد كتب رحمته لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين برسالة الإسلام … وأبلغ اليهود والنصارى بذلك في كتبهم … واقرأ قوله سبحانه وتعالى : { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ … } [ الأعراف : 156 - 157 ] . إذا كانت هذه هي الحقيقة الموجودة في كتبهم … والحق تبارك وتعالى يقول : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ آل عمران : 85 ] . فكيف يَدَّعِي اليهود أن الدار الآخرة خالصة لهم يوم القيامة ؟ ولكن الحق جل جلاله يفضح كذبهم ويؤكد لنا أن ما يقولونه هم أول من يعرف أنه كذب .