Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 95-95)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنهم لن يتمنوا الموت أبداً بل يخافونه … والله تبارك وتعالى حين أنزل هذه الآية … وضع قضية الإيمان كله في يد اليهود … بحيث يستطيعون إن أرادوا أن يشككوا في هذا الدين … كيف ؟ ألم يكن من الممكن عندما نزلت هذه الآية أن يأتي عدد من اليهود ويقولوا ليتنا نموت … نحن نتمنى الموت يا محمد . فادع لنا ربك يميتنا … ألم يكن من الممكن أن يقولوا هذا ؟ ولو نفاقاً … ولو رياءً ليهدموا هذا الدين … ولكن حتى هذه لم يقولوها ولم تخطر على بالهم … انظر إلى الإعجاز القرآني في قوله سبحانه : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ } [ البقرة : 95 ] . لقد حكم الله سبحانه حكماً نهائياً في أمر إختياري لعدو يعادي الإسلام … وقال إن هذا العدو وهم اليهود لن يتمنوا الموت … وكان من الممكن أن يفطنوا لهذا التحدي … ويقولوا بل نحن نتمنى الموت ونطلبه من الله … ولكن حتى هذه لم تخطر على بالهم لأن الله تبارك وتعالى إذا حكم في أمر اختياري فهو يسلب من أعداء الدين تلك الخواطر التي يمكن أن يستخدموها في هدم الدين … فلا تخطر على بالهم أبداً مثلما تحداهم الله سبحانه من قبل في قوله تعالى : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا … } [ البقرة : 142 ] . ولقد نزلت هذه الآية الكريمة قبل أن يقولوا … بدليل استخدام حرف السين في قوله : " سيقولُ " … ووصفهم الله جل جلاله بالسفهاء … ومع ذلك فقد قالوا … ولو أن عقولهم تنبهت لسكتوا ولم يقولوا شيئاً … وكان في ذلك تحدٍّ للقرآن الكريم … كانوا سيقولون لقد قال الله سبحانه وتعالى : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 142 ] … ولكن أحداً لم يقل شيئاً فأين هم هؤلاء السفهاء ولماذا لم يقولوا ؟ وكان هذا يعتبر تحدياً للقرآن الكريم في أمر يملكون فيه حرية الاختيار … ولكن لأن الله هو القائل والله هو الفاعل … لم يخطر ذلك على بالهم أبداً ، وقالوا بالفعل . في الآية الكريمة التي نحن بصددها … تحداهم القرآن أن يتمنوا الموت ولم يتمنوه … وكان الكلام المنطقي ما دامت الدار الآخرة خالصة لهم … والله تحداهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين لتمنوه … ليذهبوا إلى نعيم أبدي … ولكن الحق حكم مسبقاً أن ذلك لن يحدث منهم … لماذا ؟ لأنهم كاذبون ويعلمون أنهم كاذبون … لذلك فهم يهربون من الموت ولا يتمنونه . انظروا مثلاً إلى العشرة المبشرين بالجنة … عمار بن ياسر في الحرب في حنينٍ … كان ينشد وهو يستشهد الآن ألقى الأحبة محمداً وصحبه . . كان سعيداً لأنه أصيب وكان يعرف وهو يستشهد أنه ذاهب إلى الجنة عند محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته … هكذا تكون الثقة في الجزاء والبشرى بالجنة … وعبد الله بن رواحة كان يحارب وهو ينشد ويقول : @ يا حبـذا الجـنة واقتـرابـها طيـبة وبـارد وشـرابـها @@ والإمام علي رضي الله عنه يدخل معركة حنين ويرتدي غلالة ليس لها دروع … لا ترد سهماً ولا طعنة رمح … حتى إن ابنه الحسن يقول له : يا أبي ليست هذه لباس حرب … فيرد علي كرم الله وجهه : يا بني إن أباك لا يبالي أسقط على الموت أم سقط الموت عليه … وسيدنا حذيفة بن اليمان ينشد وهو يحتضر … حبيب جاء على ناقة لا ربح من ندم … إذن الذين يثقون بآخرتهم يحبون الموت . وفي غزوة بدر سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم … يا رسول الله أليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فيقتلوني … فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم … وكان في يد الصحابي تمرات يمضغها … فيستبطئ أن يبقى بعيداً عن الجنة حتى يأكل التمرات فيلقيها من يده ويدخل المعركة ويستشهد . هؤلاء هم الذين يثقون بما عند الله في الآخرة … ولكن اليهود عندما تحداهم القرآن الكريم بقوله لهم : { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : 94 ] … سكتوا ولم يجيبوا … ولو تمنوا الموت لانقطع نفس الواحد منهم وهو يبلع ريقه فماتوا جميعاً … قد يقول قائل وهل التمني باللسان ؟ ربما تمنوا بالقلب … نقول ما هو التمني ؟ نقول إن التمني هو أن تقول لشيء محبوب عندك ليته يحدث . فهو قول … وهب أنه عمل قلبي فلو أنهم تمنوا بقلوبهم لاطلع الله عليها وأماتهم في الحال … ولكن ما دام الحق تبارك وتعالى قال : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } [ البقرة : 95 ] … فهم لن يتمنوهُ سواء كان باللسان أو بالقلب … لأن الادعاء منهم بأن لهم الجنة عند الله خالصة أشبه بقولهم الذي يرويه لنا القرآن في قوله سبحانه : { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 80 ] . وقوله تعالى : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 95 ] … أي أن أعمالهم السيئة تجعلهم يخافون الموت … أما صاحب الأعمال الصالحة فهو يسعد بالموت … ولذلك نسمع أن فلاناً حين مات كان وجهه أشبه بالبدر لأن عمله صالح … فساعة الموت يعرف فيها الإنسان يقيناً أنه ميت … فالإنسان إذا مرض يأمل في الشفاء ويستبعد الموت … ولكن ساعة الغرغرة يتأكد الإنسان أنه ميت ويستعرض حياته في شريط عاجل … فإن كان عمله صالحاً تنبسط أساريره ويفرح لأنه سينعم في الآخرة نعيماً خالداً . . لأنه في هذه الساعة والروح تغادر الجسد يعرف الإنسان مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار … وتتسلمه إما ملائكة الرحمة وإما ملائكة العذاب … فالذي أطاع الله يستبشر بملائكة الرحمة … والذي عصى وفعل ما يغضب الله يستعرض شريط أعماله … فيجده شريط سوء وهو مقبل على الله … وليست هناك فرصة للتوبة أو لتغيير أعماله … عندما يرى مصيره إلى النار تنقبض أساريره وتقبض روحه على هذه الهيئة … فيقال فلان مات وهو أسود الوجه منقبض الأسارير . إذن فالذي أساء في دنياه لا يتمنى الموت أبداً … أما صاحب العمل الصالح فإنه يستبشر بلقاء الله . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت فقال : " لاَ يَتَمَنَّينَّ أحدُكم الموتَ ولا يدعو به من قَبلِ أن يَأْتِيَه إلا أن يكون قد وَثِقَ بعملِه " نقول إن تمني الموت المنهي عنه هو تمني اليأس وتمني الاحتجاج على المصائب … يعني يتمنى الموت لأنه لا يستطيع أن يتحمل قدر الله في مصيبة حدثت له … أو يتمناه احتجاجاً على أقدار الله في حياته … هذا هو تمني الموت المنهي عنه … أما صاحب العمل الصالح فمستحب له أن يتمنى لقاء الله … واقرأ قوله تعالى في آخر سورة يوسف : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي لا تتمنوا الموت جزعاً مما يصيبكم من قدر الله … ولكن اصبروا على قدر الله … وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } [ البقرة : 95 ] … لأن الله عليم بظلمهم ومعصيتهم … هذا الظلم والمعصية هو الذي يجعلهم يخافون الموت ولا يتمنونه .