Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 106-106)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَاعاً صَفْصَفاً } [ طه : 106 ] : أرضاً مستوية مَلْساء لا نباتَ فيها ولا بناء ، والضمير في { فَيَذَرُهَا … } [ طه : 106 ] يعود على الأرض لا على الجبال لأن الجبال لا تكون قاعاً صفصفاً ، أمّا الأرض مكان الجبال فتصير ملساء مستوية ، لا بناءَ فيها ولا جبال ، فالأرض شيءٌ والجبال فوقها شيء آخر . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [ فصلت : 9 - 10 ] . فالضمير في { وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا … } [ فصلت : 10 ] لا يعود على الأرض ، إنما على الجبال . لأن الجبال في الحقيقة هي مخازن القُوت ومصدر الخِصْب للأرض ، التي هي مصدر القوت ، فالإنسان مخلوق من الأرض ، واستبقاء حياته من الأرض ، فالنبات قوت للإنسان وللحيوان ، والنبات والحيوان قوت للإنسان . إذن : لا بُدَّ للأرض من خُصُوبة تساعدها وتُمدّها بعناصر الغذاء ، ولو أن الخالق - عز وجل - جعل الأرض هكذا طبقةً واحدة بها المخصّبات لانتهتْ هذه الطبقة بعد عدة سنوات ، ولأجدبتْ الأرض بعد ذلك . إذن : خلق اللهُ الجبالَ لحكمة ، وجعلها مصدراً للخصب الذي يمد الأرض مَدَداً دائماً ومستمراً ما بقيتْ الحياة على الأرض ، ومن هنا تتضح لنا حكمة الخالق - سبحانه - في أن تكون الجبال صَخْراً أصمّ ، فإذا ما تعرضت لعوامل التعرية على مَرِّ السنين تتفتتْ منها الطبقة الخارجية نتيجة لتغيُّر الظروف المناخية من حرارة وبرودة . ثم تأتي الأمطار وتعمل في الصخر عمل المَبْرَد ، وتُكوِّن ما يسمى بالغِرْيَن ، فتحمل هذا الفتات إلى الوِدْيان ومجاري الأنهار ، وتُوزِّعه على طبقة الأرض ، فتزيدها خِصْباً تدريجياً كل عام ، وإلاَّ لو كانت الجبال هَشَّة غير متماسكة لانهالتْ في عدة أعوام ، ولم تُؤَدِّ هذا الغرض . لذلك نقول : إن الجبال هي مصدر القوت ، وليست الأرض . ألاَ ترى أن خصوبة الوادي والدلتا جاءت من طمي النيل ، والغِرْين الذي يحمله الماء من أعالى أفريقيا . وهذا الغِرْيَن الذي يُنحَتُ من الجبال هو الذي يُسبب الزيادة في رقعة اليابسة ، وتستطيع أن تلاحظ هذه الظاهرة في المدن المطِلَّة على البحر ، فبعد أن كانت على شاطئه أصبحت الآن داخل اليابسة . وقد مثَّلْنَا سابقاً للجبل بأنه مُثلث قاعدته إلى أسفل ، والوادي مُثلث قاعدته إلى أعلى ، فكل نحْتٍ في الجبل زيادة في الوادي ، وكأن الخالق - عز وجل - جعل هذه الظاهرة لتتناسبَ مع زيادة السكان في الأرض . وقد حُذِف العائد في { فَيَذَرُهَا … } [ طه : 106 ] اعتماداً على ذِهْن السامع ونباهته إلى أنه لا يكون إلا ذلك ، كما في قوله تعالى : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] فلم يذكر عائد الضمير هو لأنه إذا قيل لا ينصرف إلا إلى الحق سبحانه وتعالى ، وإنْ لم يتقدم اسمه . وكما في قوله تعالى : { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ ص : 32 ] والمراد : الشمس التي غابت ، ففاتتْ سليمان - عليه السلام - الصلاة ، ولم تذكر الآية شيئاً عن الشمس . كذلك في : { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ … } [ فاطر : 45 ] أي : على الأرض ولم تذكرها الآية ، كذلك هنا فَيذَرُهَا أي الأرض .