Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 108-108)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الداعي : المنادي ، كالمؤذِّن الذي كثيراً ما دعا الناس إلى حضرة الله تعالى في الصلاة ، فمنهم مَنْ أجاب النداء ، ومنهم مَنْ تأبَّى وأعرض ، أما الداعي في الآخرة ، وهو الذي ينفخ في الصور فلن يتأبَّى عليه أحد ، ولن يمتنع عن إجابته أحد . وقوله : { لاَ عِوَجَ لَهُ … } [ طه : 108 ] لأننا نرى داعي الدنيا حين يُنادِي في جَمْع الناس ، يتجه يميناً ويتجه يساراً ، ويدور ليُسمع في كُلِّ الاتجاهات ، فإذا لم يَصِلْ صوته إلى كل الآذان استيعاباً يستعمل مُكبِّر الصوت مثلاً ، أما الداعي في الآخرة فليس له عوج هنا أو هناك لأنه يُسمِع الجميع ، ويصل صوته إلى كل الآذان ، دون انحراف أو ميْل . ثم يقول تعالى : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] هذا الهمْسُ الذي قال عنه في الآيات السابقة : { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ … } [ طه : 103 ] . ونعرف أن كل تجمُّع كبير لا تستطيع أنْ تضبط فيه جَلبة الصوت ، فما بالك بجَمْع كجمع القيامة من لَدُنْ آدم عليه السلام حتى قيام الساعة ، ومع ذلك : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] فلماذا كتمت هذه الأصوات التي طالما قالتْ ما تحب ، وطالما كان لها جلبة وضجيج ؟ الموقف الآن مختلف ، والهَوْل عظيم ، لا يجرؤ أحد من الهَوْل على رَفْع صوته ، والجميع كُلٌّ منشغل بحاله ، مُفكّر فيما هو قادم عليه ، فإنْ تحدّثوا تحدّثوا سِرّاً ومخافتة : ماذا حدث ؟ ماذا جرى ؟ وكذلك نحن في أوقات الشدائد لا نستطيع الجهر بها ، كما حدث لما مات سعد زغلول - رحمه الله - وكان أحمد شوقي وقتها في لبنان ، فسمع الناسَ يتخافتون ، ويهمس بعضهم إلى بعض بأن سعداً قد مات ، ولا يجرؤ أحد أن يجهر بها لِهَوْل هذا الحادث على النفوس ، فقال شوقي : @ يَطأُ الآذَانَ هَمْساَ والشِّفَاهَا قُلْتُ يا قَوْم اجمعُوا أحْلامكُمْ كُلُّ نَفْسٍ في وَريديْها رَدَاهَا @@ ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ … } .