Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 116-116)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق - تبارك وتعالى - يقصُّ علينا قصة آدم عليه السلام ، لكن نلاحظ أنه سبحانه أعطانا مُجْمل القصة ومُوجزها في قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] وأصلْ القصة وترتيبها الطبيعي أنه سبحانه يقول : خلقْتُ آدم بيدي وصوَّرته ، وكذا وكذا ، ثم أمرْتُ الملائكة بالسجود له ثم قلت له : كذا … وعَرْض القصة بهذه الطريقة أسلوبٌ من أساليب التشويق ، يصنعه الآن المؤلفون والكُتَّاب في قصصهم ، فيعطوننا في بداية القصة لقطة لنهايتها لإثارة الرغبة في تتبُّع أحداثها ، ثم يعود فيعرض لك القصة من بدايتها تفصيلاً ، إذن : هذا لوْنٌ من ألوان الإثارة والتشويق والتنبيه . ومن ذلك أسلوب القرآن في قصة أهل الكهف ، حيث ذكر القصة مُوجَزة فقال : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } [ الكهف : 9 - 12 ] . ثم أخذ في عَرْضها تفصيلاً : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ … } [ الكهف : 13 ] . وقد جاء هذا الأسلوب كثيراً في قَصَص القرآن ، ففي قصة لوط - عليه السلام - يبدأ بنهاية القصة وما حاق بهم من العذاب : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } [ القمر : 33 - 34 ] . ثم يعود إلى تفصيل الأحداث : { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } [ القمر : 36 - 37 ] . ومن أبرز هذه المواضع قوله تعالى في قصة موسى وفرعون : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ الأعراف : 103 ] أي : من بعد موكب الرسالات إلى فرعون ومَلئِه فظلموا بها ، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ، هذا مُجمل القصة ، ثم يأخذ في قَصِّ الأحداث بالتفصيل : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 104 ] . وهكذا أسلوب القرآن في قصة آدم عليه السلام ، يعطينا مُجْمل القصة ، ثم يُفصِّلها : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُوۤاْ } [ طه : 116 ] يعني : إذكر إذ قُلْنا للملائكة { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ … } [ البقرة : 34 ] . وقبل أن نخوضَ في قصة أبينا آدم - عليه السلام - يجب أن نشير إلى أنها تكررتْ كثيراً في القرآن ، لكن هذا التكرار مقصود لحكمة ، ولا يعني إعادة الأحداث ، بل هي لقطاتٌ لجوانب مختلفة من الحدَث الواحد تتجمع في النهاية لتعطيك القصة الكاملة من جميع زواياها . كما أن الهدف من قَصَص القرآن تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيمرُّ بكثير من الأحداث والشدائد ، سيحتاج في كل منها إلى تثبيت ، وهذا الغرض لا يتأتَّى إذا سردنا القصة مرة واحدة ، كما في قصة يوسف عليه السلام مثلاً . قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُوۤاْ … } [ طه : 116 ] البعض يعترض يقول : كيف تسجد الملائكة لبشر ؟ نعم ، هم سجدوا لآدم ، لكن ما سجدوا من عند أنفسهم ، بل بأمر الله لهم ، فالمسألة ليستْ سجوداً لآدم ، بقدر ما هي إطاعة لأمر الله . ولقائل هذا الكلام : أأنت مَلِكيٌّ أكثر من الملك ؟ يعني : أأنت ربانيّ أكثر من الربّ ؟ وما معنى السجود ؟ السجود معناه : الخضوع ، كما جاء في قوله تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً … } [ يوسف : 100 ] أي : سجودَ تعظيم وخضوع ، لا سجودَ عبادة . وآدم - عليه السلام - هو خليفة الله في الأرض ، لكنه ليس الوحيد عليها ، فعلى الأرض مخلوقات كثيرة منها المحسّ ، كالشمس والقمر والنجوم والهواء والماء والأرض والجبال ، وكُلّ ما فيه مصلحة لهذا الخليفة ، ومنها ما هو خفيّ كالملائكة التي تدير خفى هذا الكون ، فمنهم الحفظة والكتبة ، ومنهم المكلَّفون بالريح وبالمطر … إلخ من الأمور التي تخدم الخَلْق . فلا بُدَّ - إذن - أن يخضع الجميع لهذا المخدوم الآتي . وقد يحلو للبعض أن يقول : لقد ظَلَمنا آدمُ حين عصى ربه ، فأنزلنا من الجنة إلى الأرض . نقول : يجب أن نفهم عن الله تعالى ، فالحق - تبارك وتعالى - لم يخلق آدم للجنة التي هي دار الخُلْد ، إنما خلقه ليكون خليفة له في الأرض ، كما قال سبحانه : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً … } [ البقرة : 30 ] . فأوّل بلاغ من الله عن آدم أنه خالقه للأرض لا للجنة . والجنة ، وإن كانت تُطلَق على دار الخُلْد ودار النعيم الأُخْروي فهي تُطلَق أيضاً على حدائق وبساتين الدنيا ، كما جاء في قول الحق سبحانه : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [ القلم : 17 ] . وقوله : { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ … } [ الكهف : 32 ] . إذن : تُطلَق الجنة على شيء في الدنيا يضمُّ كل ما تطلبه النفس وسمَّوْها الجنة لأنها تستر بشجرها وكثافتها مَنْ يدخل فيها ، أو جنة لأنها تكفي الإنسان ولا تُحوجه إلى شيء غيرها . فلا تظلموا آدم بأنه أخرجكم من الجنة لأنه لم يكُنْ في جنة الخُلْد ، إنما في مكان أعدَّه الله له ، وأراد أنْ يُعطيه في هذا المكان درساً ، ويُدرِّبه على القيام بمهمته في الحياة وخلافته في الأرض . أرأيتَ ما نفعله الآن من إقامة معسكرات للتدريب في شتى مجالات الحياة ، وفيها نتكفّل بمعيشة المتدرب وإقامته ورعايته . إنها أماكن مُعدَّة للتدريب على المهام المختلفة : رياضية ، أو علمية ، أو عسكرية … الخ . هكذا كانت جنة آدم مكاناً لتدريبه قبل أنْ يباشر مهمته كخليفة لله في الأرض ، فأدخله الله في هذه التجربة العملية التطبيقية ، وأعطاه فيها نموذجاً للتكليف بالأمر والنهي ، وحذَّره من عدوه الذي سيتربص به وبذريته من بعده ، وكشف له بعض أساليبه في الإضلال والإغواء . وهذه هي خلاصة منهج الله في الأرض ، وما من رسول إلا وجاء بمثل هذا المنهج : أمر ، ونهي ، وتكليف ، وتحذير من الشيطان ووسوسته حتى يُخرِجنا عن أمر الله ونَهْيه . وبعد هذا الكورس التدريبي في الجنة عَلِم آدم بالتطبيق العملي أن الشيطان عدوه ، وأنه سيُغريه ويخدعه ، ثم بعد هذه التجربة أنزله الله ليباشر مهمته في الأرض ، فيكون من عدوه على ذِكْر وحذر . والبعض يقف طويلاً عند مسألة عصيان آدم : كيف يعصي الله وهو نبي ؟ ويذكرون قوله تعالى : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] . نقول : ما دام أن آدم - عليه السلام - هو خليفة الله في أرضه ، ومنه أَنْسَالُ الناس جميعاً إلى أنْ تقوم الساعة ، ومن نَسله الأنبياء وغير الأنبياء ، من نسله الرسل والمرسل إليهم . إذن : فهو بذاته يمثل الخَلْق الآتي كله بجميع أنواعه المعصومين وغير المعصومين . كما أن آدم - عليه السلام - مرَّ بهذه التجربة قبل أن يُنبأ ، ومَرَّ بها بعد أن نُبىء ، بدليل قوله تعالى : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } [ طه : 121 - 122 ] . فكان الاجتباء والعصمة بعد التجريب ، ثم لما أُهبِط آدم وعدوه إلى الأرض خاطبه ربه : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] . وهكذا بدأت مرحلة جديدة في حياة آدم عليه السلام ، ومثَّل آدم الدَّوْريْن : دَوْر العصمة والنبوة بعدما اجتباه ربه ، ودَوْر البشر العادي غير المعصوم والمعرَّض للنسيان وللمخالفة كأيِّ إنسان من أناس الأرض . ينبغي - إذن - أن نفهم أن آدم خُلِق للأرض وعمارتها ، وقد هيَّأها الله لآدم وذريته من بعده ، وأعدَّها بكُلِّ مقوِّمات الحياة ومُقوِّمات بقاء النوع ، فمَنْ أراد ترف الحياة فليُعمل عقله في هذه المقوّمات وليستنبط منها ما يريد . لقد ذكرنا أن في الكون مُلكاً وملكوتاً : الملْك هو الظاهر الذي نراه ونشاهده ، والملكوت ما خفى عنّا وراء هذا الملْك ، ومن الملكوت أشياء تؤدي مهمتها في حياتنا دون أنْ نراها ، فمثلاً ظاهرة الجاذبية الأرضية التي تتدخل في أمور كثيرة في حياتنا ، كانت في حجاب الملكوت لا نراها ولا نعرف عنها شيئاً ، ثم لما اهتدتْ إليها العقول واكتشفتْها عرفنا أن هناك ما يسمى بالجاذبية . ومن الملكوت الملائكة الموكّلون ، كما قال تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ … } [ الرعد : 11 ] . ومنهم الكَتَبة : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] . فلما خلق الله آدم ، وخلق الملائكة الموكلين بمصالحه في الأرض أمرهم بالسجود له لأنهم سيكونون في خدمته ، فالسجود طاعة لأمر الله ، وخضوع للخليفة الذي سيعمر الأرض . وقوله تعالى : { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } [ طه : 116 ] وفي آية أخرى : { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ … } [ ص : 74 ] . وقد أوضح الحق سبحانه سبب رَفْض إبليس للسجود لآدم بقوله : { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } [ ص : 75 ] . أي : لا سبب لامتناعك إلا الاستكبار على السجود ، أو تكون من العالين . أي : الملائكة الذين لم يشملهم الأمر بالسجود ، فكأن الأمر كان للملائكة خاصة هم الموكّلون بخدمة آدم ، أمّا العالون فهم الملائكة المهيّمون ، ولا علاقة لهم بآدم ، وربما لا يدرُون به . ومن الأساليب التي أثارتْ جَدَلاً حول بلاغة القرآن لدى المستشرقين قوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ … } [ ص : 75 ] وقوله في موضع آخر : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ … } [ الأعراف : 12 ] فأيُّ التعبيريْن بليغ ؟ وإنْ كان أحدهما بليغاً فالآخر غير بليغ . وهذا كله ناتج عن قصور في فَهْم لغة القرآن ، وعدم وجود الملَكة العربية عند هؤلاء ، فهناك فَرْق بين أنك تريد أن تسجدَ ويأتي مَنْ يقول لك : لا تسجد ، وبين أنْ يُقنعك شخص بألاَّ تسجد . فقوله : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ … } [ ص : 75 ] كنت تريد السجود وواحد منعك ، وقوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ … } [ الأعراف : 12 ] يعني : أمرك ألاَّ تسجد ، وأقنعك وأنت اقتنعتَ . ومن المسائل التي أثيرتْ حول هذه القصة : أكان إبليس من الملائكة فشمله الأمر بالسجود ؟ وكيف يكون من الملائكة وهم لا يعصُون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ؟ وإذا لم يكُنْ مَلَكاً فماذا أدخله في الأمر ؟ ولتوضيح هذه المسألة نقول : خلق الله الثَّقليْن : الجن والإنس ، وجعلهم مختارين في كثير من الأمور ، ومقهورين في بعض الأمور ، ليثبت طلاقة قدرته تعالى في خَلْقه ، فإنْ كنتَ مختاراً في أمور التكليف وفي استطاعتك أنْ تطيع أو أنْ تعصي ، فليس من اختيارك أنْ تكون صحيحاً أو مريضاً ، طويلاً أو قصيراً ، فقيراً أو غنياً ، ليس في اختيارك أنْ تحيا أو تموت . والحق - تبارك وتعالى - لا يُكلِّفك بافعل كذا ولا تفعل كذا ، إلا إذا خلقك صالحاً للفعل ولعدم الفعل ، هذا في أمور التكليف وما عداه أمور قَهْرية لا اختيارَ لك فيها هي القدريات . لذلك نقول للذين أَلِفُوا التمرد وتعوَّدوا الخروج على أحكام الله في التكليفات : لماذا لا تتَمردوا أيضاً على القدريات ما دُمْتم قد أَلِفْتم المخالفة ؟ إذن : أنت مقهور وعَبْد رَغماً عنك . لذلك ، إذا كان المختار طائعاً يلزم نفسه بمنهج ربه ، بل ويتنازل عن اختياره لاختيار الله ، فمنزلته عند الله كبيرة ، وهي أفضل من الملَك ، لأن الملَك يطيع وهو مرغم . ومن هنا يأتي الفرْق بين عباد وعبيد ، فالكل في القهر عبيد ، لكن العباد هم الذين تركوا اختيارهم لاختيار ربهم . ومن هنا نقول : إن إبليس من الجن ، وليس من الملائكة لأنه أُمِر فامتنع فعُوقِب ، وإنْ كان الأمر في الأصل للملائكة . وقد حسم القرآن هذه القضية حين قال : { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ … } [ الكهف : 50 ] وهذا نصٌّ صريح لا جدالَ حوله . فإنْ قُلْتَ : فلماذا شمله الأمر بالسجود ، وهو ليس مَلَكاً ؟ نقول : لأن إبليس قبل هذا الأمر كان طائعاً ، وقد شهد عملية خَلْق آدم ، وكان يُدْعَي " طاووس الملائكة " لأنه ألزم نفسه في الأمور الاختيارية ففاق بذلك الملائكة ، وصار يزهو عليهم ويجلس في مجلسهم ، فلما جاء الأمر للملائكة بالسجود لآدم شمله الأمر ولزمه من ناحيتين : الأولى : إنْ كان أعلى منهم منزلةً وهو طاووسهم الذي ألزم نفسه الطاعة رغم اختياره فهو أَوْلَى بطاعة الأمر منهم ، ولماذا يعصي هذا الأمر بالذات ؟ الأخرى : إنْ كان أقلّ منهم ، فالأمر للأعلى لا بُدَّ أنْ يشمل الأدنى ، كما لو أمرتَ الوزراء مثلاً بالقيام لرئيس الجمهورية ، وبينهم وكلاء ومديرون ، فطبيعيٌّ أنْ يشملهم الامر . ثم يقول الحق : { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ … } .