Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 124-124)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والإعراض : هو الانصراف ، وأن تعطيه عَرْض أكتافك كما ذكرنا من قبل . وقوله : { مَعِيشَةً ضَنكاً … } [ طه : 124 ] الضنْك هو الضيق الشديد الذي تحاول أنْ تُفلتَ منه هنا أو هناك فلا تستطيع ، والمعيشة الضَّنْك هذه تأتي مَنْ أعرض عن الله ، لأن مَنْ آمن بإله إنْ عَزَّتْ عليه الأسباب لا تضيق به الحياة أبداً لأنه يعلم أن له ربّاً يُخرِجه مما هو فيه . أما غير المؤمن فحينما تضيق به الأسباب وتُعجِزه لا يجد مَنْ يلجأ إليه فينتحر . المؤمن يقول : لي ربٌّ يرزقني ويُفرِّج كَرْبي ، كما يقول عز وجل : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] . لذلك يقولون : لا كَرْب وأنت رَبٌّ ، وإذا كان الولد لا يحمل هَمّاً في وجود أبيه فله أبٌ يكفيه متاعب الحياة ومشاقها ، فلا يدري بأزمات ولا غلاء أسعار ، ولا يحمل هَمَّ شيء ، فما بالُكَ بمَنْ له رَبٌّ ؟ وسبق أنْ ضربنا مثلاً - ولله المثل الأعلى - ، قلنا : هَبْ أن معك جنيهاً ثم سقط من جيبك ، أو ضاع منك فسوف تحزن عليه إنْ لم يكُنْ معك غيره ، فإنْ كان معك غيره فلن تحزن عليه ، فإن كان لديك حساب في البنك فكأن شيئاً لم يحدث . وهكذا المؤمن لديه في إيمانه بربه الرصيد الأعلى الذي يُعوِّضه عن كل شيء . والحق - تبارك وتعالى - أعطانا مثالاً لهذا الرصيد الإيماني في قصة موسى عليه السلام مع فرعون ، حينما حُوصِر موسى وقومه بين البحر من أمامهم وفرعون بجنوده من خلفهم ، وأيقن القوم أنهم مُدْركون ، ماذا قال نبي الله موسى ؟ قال : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] هكذا بملْء فيه يقولها قَوْلةَ الواثق مع أنها قَوْلة يمكن أن تكذب بعد لحظات ، لكنه الإيمان الذي تطمئن به القلوب ، والرصيد الذي يثِقُ فيه كُلُّ مؤمن . إذن : مَنْ آمن بالله واتبع هُدَاه فلن يكون أبداً في ضَنْكٍ أو شِدَّة ، فإنْ نزلت به شِدَّة فلن تُخرِج عَزْمه عن الرضى ، واللجوء إلى ربه . ومن آيات الإعجاز القرآني في مسألة الضيق ، قوله تعالى : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ … } [ الأنعام : 125 ] . فمن أين عرف محمد صلى الله عليه وسلم أن مَنْ يصعِّد في السماء يضيق صدره ؟ وهل صَعَد أحد إلى السماء في هذا الوقت وجَرَّب هذه المسألة ؟ ومعنى ضيق الصدر أن حيِّز الرئة التي هي آلة التنفس يضيق بمرض أو مجهود زائد أو غيره ، ألاَ ترى أنك لو صعدتَ سُلَّماً مرتفعاً تنهج ، معنى ذلك أن الرئة وهي خزينة الهواء لا تجد الهواء الكافي الذي يتناسب والحركة المبذولة ، وعندها تزداد حركة التنفس لتُعوِّض نَقْص الهواء . والآن وبعد غزو الفضاء عرفنا مسألة ضيق التنفّس في طبقات الجو العليا مما يضطرهم إلى أخذ أنابيب الأكسجين وغيرها من آلات التنفس .