Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 125-125)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكلمة { أَعْمَىٰ … } [ طه : 125 ] جاءت في قوله تعالى : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [ الإسراء : 72 ] . والمراد بالعَمَى ألاَّ تُدرِكَ المبصَرات ، وقد توجد المبصَرات ولا تتجه لها بالرؤية ، فكأنك أعمى لا ترى ، وكذلك المعرِض عن الآيات الذي لا يتأملها ، فهو أعمى لا يراها . لذلك في الآخرة يقول تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً … } [ الإسراء : 97 ] فساعةَ يُبعَث الكافرون يُفزَّعون بالبعث الذي كانوا ينكرونه ويضطربون اضطراباً ، يحاول كل منهم أن يرى منفذاً وطريقاً للنجاة ، ولكن هيهات ، فقد سلبهم الله منافذ الإدراك كلها ، وسَدَّ في وجوههم كل طرق النجاة ، والإنسان يهتدي إلى طريقه بذاته وبعيونه ، فإنْ كان أعمى أمكنه أنْ ينادي على مَنْ يأخذ بيده ، فإنْ كان أيضاً أبكم ، فلربما سمع مَنْ يناديه ويُحذره ويُدِله ، فإنْ كان أصمَّ لا يسمع ؟ إذن : سُدَّتْ أمامه كل وسائل النجاة ، فهو أعمى لا يبصر النجاة بذاته ، وأبكم لا يستطيع أنْ يستغيث بمَنْ ينقذه ، وهو أيضاً أصمّ لا يسمع مَنْ يتطوع بإرشاده أو تحذيره . وقد وجد كثير من المشككين في هذه الآية شيئاً ظاهرياً يطعنون به على أسلوب القرآن ، حيث يقول هنا : { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ … } [ طه : 125 ] وفي موضع آخر يقول : { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا … } [ الكهف : 53 ] فنفى عنهم الرؤية في آية ، وأثبتها لهم في آية أخرى . وفاتَ هؤلاء المتمحِّكين أَن الإنسانَ بعد البعث يمرُّ بمراحل عِدَّة : فساعةَ يُحشرون من قبورهم يكونون عُمْياً حتى لا يهتدوا إلى طريق النجاة ، لكن بعد ذلك يُريهم الله بإيلام آخر ما يتعذبون به من النار . وهذا الذي حآق بهم كِفَاءٌ لما صنعوه ، فقد قدَّموا هم العمى والصمم والبكم في الدنيا ، فلما دعاهم الرسول إلى الله صَمُّوا آذانهم ، واستغشوا ثيابهم .